بسم الله الرحمن الرحيم

هل سبق لك أن وقعت في الحب؟
ماذا كانت نتيجة ذلك الحب؟ وهل حصل لك مرادك منه؟
هل الحب حرام أم حلال؟
وهل الكلام العاطفي المنمق مطلوب أم لا؟
نحاول في هذا المقال الموجز الإجابة على هذه التساؤلات..
يقول ربنا عز وجل:{وقولوا للناس حسنا"}- ويقول نبينا-صلى الله عليه وسلم-والكلمة الطيبة صدقة)-متفق عليه.
ومن يتتبع سيرة نبينا-صلى الله عليه وسلم- فإنه يجده يستخدم الكلمات الرقيقة المحببة إلى القلوب، ويتعامل بها مع كل من يراه، فرب كلمة محببة للنفس تبعث الطمأنينة والراحة والسعادة عندما تقال للغير.
والحب ليس مقصورا على العلاقات بين البشر، بل إن أسمى أنواع الحب هو محبة العبد لله جل وعلا، التي جعلها الله سبحانه مقرونة باتباع نبيه عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
وتأتي محبة النبي صلى الله عليه وسلم في المرتبة الثانية بعد محبة الله.
ولاتكون هذه المحبة صادقة إلا باتباع أوامره وإجتناب نواهيه واقتفاء أثره في حياته كلها.
صحيح أنها كلمة من حرفين! لكن معانيها عظيمة ومدلولاتها جزلة قوية، والسعيد من وفق في تكرارها كثيراً في حياته.
هذه الكلمة هي (حُبّ)- نعم إنه الحب الذي كان نبينا-صلى الله عليه وسلم-يتعامل به مع كل من حوله، عندما تُذكر خديجة-رضي الله عنها قال عليه الصلاة والسلامإني قد رزقت حبها) رواه مسلم .
وفي زمننا الحاضر يظن بعض الرجال أنّ من كمال الرجولة عدم إظهار مشاعر المحبة للزوجة أو الأولاد أو الأصدقاء والجيران.
بينما ها هو الرسول المعصوم، مكتمل الرجولة يقول على الملأ: (إني قد رزقت حبها).
وحينما سُئل عن أحبّ الناس إليه، قال بلا تردد أو خجل: (( عائشة )).
وقال عليه الصلاة والسلام عن سبطه الحسناللهم إني أحبه ، فأحبه وأحبب من يحبه)- متفق عليه .
ما أجمل أن نملأ مجالسنا ومساجدنا وبيوتنا وطرقاتنا بهذه الكلمات الرقيقة عن الحب والمحبة.
والمحبة تورث الحرص على المحبوب فهاهو سيد الخلق يوصي معاذا رضي الله عنه بما ينفعه بعد أن بيّن له أنّه يحبه:
فعن معاذ بن جبل-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده وقال: (يامعاذ والله إني ﻷحبك، والله إني ﻷحبك -فقال:أوصيك يامعاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) صححه الألباني .
وكان من منهج النبي-صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر أنه يوصي بنشر المحبة فعن أنس-رضي الله عنه-أن رجلا" كان عند النبي-صلى الله عليه وسلم- فمر رجل به،فقال: يارسول الله إني ﻷحب هذا، فقال:له النبي-صلى الله عليه وسلم-أعلمته)؟ -قال:لا ،قالأعلمه) فلحقه، فقال: إني أحبك في الله،فقال:أحبك الله الذي أحببتني له ) رواه أبو داود .
لنعبر عن هذه المشاعر العظيمة،لماذا تكون حبيسة الصدور لماذا لا نبث المحبة الصادقة.
لا ينبغي لنا أن نخفي هذه المشاعر فقد قال نبينا-صلى الله عليه وسلمإن الله تعالى يقول يوم القيامة:أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) متفق عليه .
-وقال صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "ورجلان تحابا في الله،اجتمعا عليه وتفرقا عليه".
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ: ( وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ) ؟
قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) متفق عليه .
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) !!
قَالَ أَنَسٌ: " فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ " .
فهذا الحديث ورد في المحبة الإيمانية الشرعية ، التي أمر الله بها عباده ، وندبهم إليها ، وهي من عرى الإيمان ، بل من أوثق عرى الإيمان وعلاماته : أن يحب الرجل أخاه ، لا يحبه لدنيا ولا مال ولا جاه ؛ إنما يحبه لله جل جلاله .
قال ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلُهُ : (إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) أَيْ: مُلْحَقٌ بِهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ "
هذه البيئة المحيطة بنا مليئة بالذين يستحقون الحب لله، فلنعبر لهم عن مشاعرنا تجاهم، حتى يكون ذلك بإذن الله من أسباب نجاتنا عندما نلقى الله تعالى.
وينبغي أن نعلم أن قول أحدنا لأخيه : (يافلان إني أحبك)-لا يقصد بالمحبة لله أنه يحب الشخصية الكاملة، فلربما رجل يتعامل باﻷخلاق الراقية العالية فتخبره أنك تحبه ﻷمر قد وهبه الله فتحبه لله لهذه الصفة،لا لشكله ولا للونه وإنما هي لله،فيظلهما الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
اللهم اجعلنا من المتحابين فيك .

كتبه : د عبدالرحمن بن عبدالله الطريف