1-Click Setup for WordPress, Drupal & Joomla!
أخبار السبلة الدينية
 
الصفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
رؤية النتائج 31 إلى 60 من 71
  1. #31
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    الشَّرْطُ الثَّالِثُ/ الطَّهَارةُ مِنَ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ:

    الطَّهَارةُ منَ الحَيضِ ويُعرَفُ بالدَّوْرَةِ الشَّهريَّةِ والنِّفَاسِ شَرطٌ لصِحَّةِ الصِّيَامِ، فالحَائِضُ والنُّفَسَاءُ لا يَصِحُّ ولا يُشرعُ في حقِّهِمَا الصِّيَامُ، بلْ يُمنَعَانِ منهُ في الحَالِ ويؤمَرانِ بالقَضَاءِ في المآلِبنَصِّ السُّنةِ وإِجماعِ الأُمَّةِ، أمَّا السُّنَّةُ فمِنْهَا قَولُ السَّيدَةِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: " كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلاةِ".

    وأمَّا الإِجمَاعُ فقَدْ حَكَاهُ غيرُ واحِدٍ مِنْ فُحُولِ العِلمِ، منهُمُ التِّرمِذِيُّ، فقَدْ قَالَ بعدَ روَايتِهِ للحَدِيثِ السَّابِقِ: "..وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلافًا أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ".

    ومنهُمُ العلاَّمَةُ إِمَامُ السُّنةِ -أبقَاهُ اللهُ- إذْ يَقُولُ: ".. فيَحْرُمُ عَلَيهِمَا[أي الحائض والنفساء] الصِّيَامُ ويَجِبُ عليهِمَا القَضاءُ بِنَصِّ السنّةِ الصَّحيحةِ الثَّابتَةِ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وبِإجمَاعِ الأمّةِ".

    {تَنْبِيْهٌ وتحْذِيرٌ}: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ"، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُل؟ِ"، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: " فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟"، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: " فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا".


    فَتْوَى

    السُّؤَالُ/ سماحَةَ الشَّيخِ: هُناكَ دَعَواتٌ تَقُولُ بأنَّ المرْأَةَ لا تُطالَبُ بتَركِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ في فَتْرةِ الحَيضِ أوِ النِّفاسَ؛ نَظرًا لِعدَمِ وجُودِ نَصٍّ صَريحٍ مِنَ القُرْآنِ، وأنَّ مَا جَاءَ في السُّنَّةِ لا يَثبُتُ، فمَا هُوَ الضَّابِطُ في أَخْذِ الأحكَامِ مِنَ السُّنةِ إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ في القُرآنِ الكَرِيمِ؟

    الجَوَابُ/ هَذَا كَلامُ الجَهَلَةِ الذِينَ لا يُفَرِّقُونَ بينَ البَعْرةِ والتَّمرةِ، ولا يفرِّقُونَ بينَ الضَّبِّ والنُّونِ، ولا بينَ الذِّئْبِ والحَمَلِ، ولا بينَ النَّاقةِ والجَمَلِ، ومَا أحْرَى كَلامَهُ بِأنْ يُنسَفَ ولا يُعوَّلَ عَلَيهِ، إذِ الأُمَّةُ مُجمِعَةٌ بأنَّهُ لا يَجُوزُ للحَائِضِ أنْ تُصَلِّيَ وَلا أنْ تصُومَ..

    والذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَحصُرُوا الإِسْلامَ في القُرآنِ وحدَهُ مِنْ غَيرِ تَعوِيلٍ علَى السُّنةِ هم هَادِمُونَ للقُرآنِ، همْ كَافِرُونَ بِالقُرآنِ وحْدَهُ.. لأَنَّ اللهَ تَعَالى أمرَنَا بِالرُّجُوعِ إِلى النَّبيِّ -علَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ- وطَاعَتِهِ، ولا تكُونُ طاعتُهُ إلا باتِّبَاعِ سُنَّتِهِ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ، واللهُ أعلمُ.


    فَتْوَى أُخْرَى


    السُّؤَالُ/ سماحةَ الشَّيخِ: هلْ يجُوزُ أنْ تَستَعمِلَ المرأَةُ حُبوبَ مَنعِ الحَيضِ في شَهرِ رَمَضَانَ؟

    الجَوَابُ/ قدْ جَعَلَ اللهُ لهنَّ مخرَجًا وهوَ القَضَاءُ، فَلا ضَرُورةَ لاستِعمَالِ حُبوبِ منْعِ الحَيضِ، وفي هذِهِ الحُبوبِ مَا لا يخفَى مِنَ المضَارِّ، واللهُ أعلمُ.

    {تَذْكِيرٌ}: النِّفاسُ مَقِيسٌ عَلَى الحَيضِ في كَثيرٍ مِن أحْكَامِهِ كالامتِنَاعِ عَنِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ والمباشَرَةِ بينَ الزَّوجَينِ؛ لأنَّهُ -كمَا يَقُولُ الفُقهاءُ- حَيضٌ طَالَتْ أيَّامُهُ، يقُولُ شَيخُ الفقهِ والأَدَبِ السَّالميُّ رضي الله عنه:


    وفي النِّفَاسِ قَالَتِ الأَعْلامُ ***حَيْضٌ وَلَكِنْ زَادَتِ الأَيَّامُ


    أما الاسْتحَاضَةُ، فهِيَ -كمَا جَاءَ في الحدِيثِ- دمُ عِرْقٍ نجِسٌ ينقضُ الوُضوءَ، أَيْ إِنَّها كالدَّمِ الخَارِجِ مِنَ الجُرُوحِ أو كَدَمِ الرُّعَافِ؛ ولذَا فَلا تُعطَى الاسْتِحَاضَةُ أحْكَامَ الحَيضِ والنِّفاسِ، فهيَ مجرَّدُ حدَثٍ أصْغَرَ ..وَهُنَا عِنْدِي لَكَ فَائِدَةٌ..


    فَائِدَةٌ

    في الفَرْقِ بَينَ الحَيْضِ وَالاسْتِحَاضَةِ


    -1-الحيضُ حدثٌ أكبرُ يُوجِبُ تَرْكَ الصَّلاةِ والصِّيَامِ والجِمَاعِ، الاستِحَاضَةُ حدثٌ أصغرُ لا يُوجِبُ إلا الوُضُوءَ.

    -2- الحَيضُ دمٌ دَورِيٌّ طَبيعيٌّ مُعتَادٌ، الاسْتِحاضَةُ دمُ مرَضٍ غيرُ مُعتَادٍ.

    -3- الحَيضُ يخرُجُ مِنْ قعْرِ الرَّحِمِ، الاسْتحَاضَةُ مِن عِرقٍ خَارجَ الرَّحِمِ.

    -4- الحيضُ أسْوَدُ ثَخِينٌ، الاسْتحَاضَةُ أحمرُ رقيقٌ.

    --5 الحَيضُ ذُو رائِحَةٍ كَرِيهَةٍ، دمُ الاستحَاضَةِ لا رَائِحَةَ لهُ

    {تَنْبِيْهٌ}: بعدَ أنْ علمتَ وجُوبَ الإفطَارِ في حقِّ الحَائِضِ والنُّفساءِ فاعْلَمْ أنهُ ذكرَ بعضُ أهلِ العِلْمِ أنَّ الحَائضَ تخفِي فِطْرَهَا أكْلاً أو شُربًا عَنِ النَّاسِ لئَلاَّ تُبِيحَ البراءَةَ مِن نفسِهَا، أمَّا النُّفسَاءُ فليسَ علَيهَا أنْ تخفِيَهِ لاشتِهَارِ عُذرِهَا عِنْدَ الجَمِيعِ.

    ومَهمَا يكُنْ مِنْ أمْرٍ، أعلنَتِ المرأةُ فطرَها عندَ الآخَرينَ أو أخفتهُ مراعاةً لِحُرمَةِ الشَّهرِ وتجنُّبًا للشُّبُهاتِ فَلا يجُوزُ للطَّرَفِ الآخَرِ أنْ يَبرَأَ مِن امْرأةٍ رآهَا تأْكُلُ أوْ تَشْرَبُ في نهارِ رَمَضَانَ؛ لأنَّ النِّسَاءَ مظنَّةُ العُذرِ، ومَن بَرِئَ بمجرَّدِ الظَّنِّ فقدْ ظَلَمَ نفسَهُ وتعَدَّى حُدُودَ ربِّهِ، وهَذَا مِنَ الظَّنِّ الذِي قَالَ عنهُ ربُّنا تبَاركَ وتَعَالى:{ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } الحجرات: ١٢، واللهُ المُستَعانُ

    {مَسْأَلَةٌ}: لا يخفَى عَليكَ -أخِي طَالِبَ العِلْمِ، يَسَّر اللهَ لكَ عِلْمَ الدِّمَاءِ- أنَّهُ إذَا طهُرَتِ المرأَةُ في النَّهَارِ فعَلَيهَا قَضَاءُ ذلكَ اليَومِ، وكذَا إنْ حَاضَتْ في النَّهَارِ ولوْ قَبلَ غُرُوبِ الشَّمسِ بقَليلٍ فسَدَ صَومُها -ولها أجْرُ مَا صَامَتْهُ- وعَلَيهَا مَعَ ذَلكَ القَضَاءُ سواءً أَكلتْ أمْ لَمْ تَأكُلْ، واللهُ أعلمُ وأحكَمُ.

    {مَسْأَلَةٌ أَخِيرةٌ}: إذَا عَرَضَ عَلَى المرأَةِ الحَيضُ في نهارِ الصِّيَامِ فإِنها تُفطِرُ ولا تُؤمَرُ بالإِمسَاكِ وقدْ أتَاها مَا قَطَعَ حَبْلَ صِيَامِها، فلَهَا أنْ تَأكُلَ وتشْرَبَ..

    وكذَا إنْ طَهُرَتْ في نهارِ الصِّيَامِ فَلا يجِبُ علَيها الإمْسَاكُ علَى الصَّحيحِ المُعْتمَد عندَ الشَّيخَينِ -متَّعَ اللهُ المسلِمِينَ بحيَاتهمَا-؛ وذَلكَ لأَنها أصْبحَتْ عَلَى فِطْرٍ، والصِّيَامُ لا يَبدأُ مِنْ مُنتَصَفِ النَّهارِ، فَلا حَرَجَ عَلَيْهَا إنْ وَاصَلَتْ فطرَها، يَقُولُ إمَامُ السُّنةِ والأصُولِ -يَحْفَظُهُ اللهُ-: " والقَولُ بأنَّ مَن أَصبَحَ مُفْطِرًا بِعُذْرٍ شَرعِيٍّ يَجُوزُ لهُ مَا يَجُوزُ للمُفطِرِ هُوَ القَولُ الصَّحِيحُ؛ إذْ إنَّني لَم أَجِدْ دلِيلاً مِنْ كتَابِ اللهِ ولا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ- يَدُلُّ عَلَى مَشرُوعيَّةِ الإمسَاكِ".. وهنَا عِندِي لكَ لطِيفَةٌ..

    {لَطِيْفَةٌ}: يُرْوَى أنَّ إِمَامَ المذْهَبِ الإباضِيِّ جَابِرَ بَنَ زَيدٍ العُمَانيَّ -رضِيَ اللهُ عنهُ- رَجَعَ مِن سَفَرِهِ في نهارِ رَمَضَانَ وكَانَ مُفْطِرًا، ولمَّا وصَلَ مَنزِلَهُ وَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِن حَيضِهَا في ذلِكَ النَّهَارِ فَواقَعَها في نهارِ رَمَضَانَ، وَاللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ.

    واحفَظْ -أيُّهَا الطَّالِبُ المُجِدُّ- ما يقُولُهُ الشَّيخُ السَّالِمِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- في بعْضِ أحْكَامِ الصِّيَامِ،،،


    فـ"مَنْ حَفِظَ المتُونَ حَازَ الفُنُونَ"


    وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ صَدْرَ يَومِهِ *** مِنْ سَبَبٍ يُبِيْحُ تَرْكَ صَومِهِ
    وزَالَ آخِرَ النَّهَارِ خُيِّرا *** مَا بَينَ أنْ يمسِكَ أوْ أنْ يُفْطِرا
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  2. #32
    تاريخ الانضمام
    23/07/2014
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    405

    افتراضي

    موفق بأذن الله

  3. #33
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    الباب الرابع: في أركان الصيام

    تَقْرِيْرٌ



    إنَّ مِنَ المتقرِّرِ لدَى جمِيعِ الأَسْوِيَاءِ أنَّ لِكُلِّ بِنَاءٍ قواعِدَ وأرْكَانًا، لا يَقُومُ بنَاءٌ مُرتَفِعٌ مَشِيدٌ بدُونها، وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ مَفْهُومُ امْتِنَانِ الموْلى علَى عِبَادِهِ إذْ { رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } الرعد: ٢...



    وإذَا كَانَ هَذَا ظَاهِرًا في البِنَاءِ الحِسِّيِّ، فمَا البِنَاءُ المعْنَوِيُّ عنهُ بِبَعِيدٍ، فهَذَا الدِّينُ لهُ أركَانٌ وهَذِهِ الأَركَانُ لهَا أَرْكَانٌ، وسَنعرِضُ في هَذَا البَابِ -بإذْنِ اللهِ- أَرْكَانَ أحَدِ هَذِهِ الأَرْكَانِ وهُوَ رُكْنُ الصَّوْمِ.. فنَقُولُ: إنَّ للصِّيامِ رُكْنَينِ أسَاسِيَّينِ، وهمَا: النِّيَّةُ والإِمْسَاكُ، فهاكَ تفصِيلَ مَا أجملنَاهُ..





    الرُّكْنُ الأول/ النِّيَّةُ:



    الصَّومُ عبَادةٌ غيرُ مَعقُولَةِ المعْنى، ومهمَا ظَهَرَ للنَّاسِ منْ حِكَمِهِ فَإِنَّ الغَايَاتِ القُصوَى مِنهُ لا يَعْلمُها إِلا الشَّارِعُ الَّذِي قَضَى وكَتَبَ، وفَرَضَ وأوْجَبَ؛ رحمةً بالعبادِ، وتخفيفًا عَليْهمْ، وشفقَةً بهمْ؛ لأنَّهُ العَالِمُ بما يُصلِحُ نفوسَهمْ ويُقِيْمُ أَجسَامَهمْ ظَاهِرًا وبَاطِنًا {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الملك: ١٤ .



    ومِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَانَ الصَّوْمُ معْدُودًا مِنَ العِبَادَاتِ الَّتي لا تُعقَلُ معَانِيهَا، فَوَجَبَ فيهِ اسْتحْضَارُ نيَّةِ العَمَلِ قَبلَ الشُّرُوعِ فيْهِ، وهَذَا هوَ المُعْتَمَدُ عندَ جمهورِ الأُمَّةِ، وبِلا شَكٍّ هُوَ المُعْتَمَدُ -أيضًا- عندَ العلاَّمَتَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حفظهمُ اللهُ-؛ ويؤيِّدُهُ قَولُهُ تَعَالى:{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } البينة: ٥.



    يقُولُ العَلاَّمةُ القَنُّوبيُّ -عافَاهُ الموْلى-: "ولا صَومَ إلا بنيَّةٍ كمَا هُوَ مَذْهَبُ الأصْحَابِ وجمهُورِ الأُمَّةِ، وهُوَ الصَّوابُ الذِي تَدُلُّ عَلَيهِ الأحَادِيثُ النَّبويَّةُ، مثلُ: "إِنما الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ"، وغَيرِهِ مِنَ الأدِلَّةِ الدَّالةِ عَلَى وُجُوبِ النِّيةِ في كُلِّ عَمَلٍ مِنَ الأَعمَالِ غيرِ مَعقُولَةِ المعْنى، وأمَّا مَعقُولَةُ المعْنى فاخْتَلَفُوا في النِّيةِ، والمشْهُورُ مَعَهُمْ أنَّ النِّيةَ فَضِيلَةٌ لا وَاجِبَةٌ، وهُوَ الحَقُّ".



    صِفَةُ النِّيَّةِ: فعَلى مُرِيدِ الصِّيَامِ أنْ يَنوِيَ بإمسَاكِهِ عِبَادَةَ الصِّيَامِ، وإِلا لم يجْزِئْهُ إمْسَاكُهُ مهْمَا طَالَ، وإِنِ اسْتغْرَقَ النَّهَارَ كلَّهُ؛ لأَنَّ صِحَّةَ الأَعمَالِ وقَبُولَهَا مَرهُونَةٌ بنيَّاتها، كمَا دَلَّ عَلَيهِ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ " إِنما الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"، أَيْ إِنَّما صِحَّةُ الأَعمَالِ بالنِّيَّاتِ.



    ولا يكْفِي أنْ ينْوِيَ العَبدُ مطْلَقَ الصِّيَامِ فَقَطْ بلْ لا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ نَوعِ وحُكْمِ الصِّيَامِ الذِي يَرومُهُ فرضًا أو نفْلاً، فيَسْتَحْضِرَ صِيَامَهُ أنَّهُ فَرضُ رَمَضَانَ مثلاً، أو واجِبُ الكفَّارَةِ، أو سُنَّةُ أيَّامِ البِيْضِ...كما يُعَيِّنُ فرْضَ الظُّهرِ، وسُنَّةَ المغْرِبِ، والعِلمُ عندَ اللهِ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  4. #34
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في تَنبِيهَاتٍ مُتعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ النِّيَّةِ



    {التَّنْبِيهُ الأَوَّلُ}
    : النيةُ المعتَدُّ بها في صِحَّةِ الصِّيَامِ هيَ التي تكُونُ قَبْلَ الشُّرُوعِ في الإِمْسَاكِ، أيْ قبلَ دُخُولِ الفَجرِ الصَّادِقِ ولوْ بثَوَانٍ، سَواءً كانَ ذلكَ في صَومِ الفَرضِ أو في صَومِ النَّفْلِ، لا فَرقَ بينَهُما؛ لعُمُومِ حَدِيثِ: " مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ"، وعَلَى ذَلكَ فَلا يَصِحُّ للإِنسَانِ أنْ يَعزِمَ علَى الصِّيَامِ بعدَ دُخولِ الفجْرِ الصَّادِقِ لكَونِهِ لمْ يَأكُلْ ولمْ يَشْرَبْ قبْلُ فيَقُول: إِني صَائِمٌ.



    {التَّنْبِيهُ الثَّاني}: النِّيَّةُ لا بُدَّ مِنِ اسْتحضَارِهَا عندَ الشُّرُوعِ في الأَعمَالِ والعبَادَاتِ غيرِ معقولَةِ المعْنى كَالصَّلاةِ لا بُدَّ مِنِ استِحضَارِ نيَّتِها عندَ الدُّخولِ فيهَا أيْ: عندَ تكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، إِلا الصِّيَامَ فإِنَّهُ يَكْفِي أنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُبَيَّتَةً ومَوْجُودَةً مِنَ اللَّيلِ أو عندَ الإِفطَارِ ولا يُشتَرَطُ استِحْضَارُها لحْظةَ الشُّرُوعِ في الصِّيَامِ أيْ: عندَ طُلوعِ الفَجرِ الصَّادِقِ؛ لأَنَّ صَاحِبَهُ قدْ يَكُونُ نَائِمًا عنْدَ طُلوعِ الفَجْرِ والوُلُوجِ في العِبَادَةِ، وإِلا لَزِمَ كُلَّ أحَدٍ أنْ يَكُونَ مُسْتَيقِظًا في ذلكَ الوَقتِ حَتى يَنْوِيَ الصِّيَامَ، وهَذَا مِنَ التَّيسِيرِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ، ومِصْدَاقُهُ في كِتَابِ اللهِ قَولُهُ تَبَارَك وتَعَالى:{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } البقرة: ١٨٥.



    {التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ}: النِّيَّةُ المُعتَبرَةُ في الصِّيَامِ وجمِيعِ العِبَادَاتِ هيَ النِّيَّةُ الجَازِمَةُ بالصِّيَامِ، بِأَنْ يُصْبِحَ المرءُ صائِمًا، ولذَا لا يُعتدُّ بنيَّةِ المتَرَدِّدِ والشَّاكِّ، كَأنْ يَنوِيَ صِيَامَ يومِ الشَّكِّ عَلَى أنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فهُوَ صَائِمٌ لرَمَضَانَ، وإِنْ كَانَ مِنْ غيرِ رَمَضَانَ فهُوَ صَائِمٌ احْتِيَاطًا.



    يَقُولُ سماحَتُهُ -حَفِظَهُ اللهُ- في الفَتَاوَى: " عَلَى أنَّ الصِّيَامَ عِبَادَةٌ تتَوقَّفُ عَلَى النِّيةِ الجَازِمَةِ، لا عَلَى النِّيَّةِ التي يَترَدَّدُ فِيهَا، فَلا يَكْتَفِي بِصِيَامِهِ لوْ أَصْبَحَ عَلَى ِنيَّةِ الصِّيَامِ".



    {التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ}:
    بما أنَّ الصِّيَامَ عِبَادةٌ غَيرُ مَعقُولَةِ المعْنى فَلا بُدَّ مِنْ إفْرادِ وفَرْزِ كُلِّ صِيَامٍ بنيَّةٍ مُستَقِلَّةٍ وإمْسَاكٍ مسْتقِلٍّ، وَلا يجزِئُ المرءَ أنْ يَنوِيَ بإمسَاكِهِ صِيَامَينِ اثنَينِ، كأَنْ يَنويَ بإِمسَاكِهِ ذَلِكَ صيَامَ السِّتةِ منْ شَوالٍ معَ قَضَاءِ مَا عَلَيهِ مِنْ رَمَضَانَ، واللهُ أعلمُ.



    {التَّنْبِيْهُ الخَامِسُ}: لا شَكَّ أنَّكَ تُدرِكُ -أخِي القَارِئَ- أنَّ النيَّةَ المُرَادَةَ في الصِّيَامِ وفي غَيرِهِ مِنَ الأَعْمَالِ هيَ قَصْدُ القَلْبِ وعَزمُ الجَوَارِحِ عَلَى أدَاءِ الفِعْلِ، ومعْنَى ذلِكَ أَنَّ النِّيةَ محلُّهَا القَلبُ، أمَّا التَّلفُّظَاتُ بالنِّيَّاتِ في العِبَادَاتِ فَلا أَصْلَ لها في الكِتَابِ ولا في سُنَّةِ المصْطَفَى الأَوَّابِ، ولا عَنِ التَّابِعِينَ وَالأَصْحَابِ، وهُوَ صلى الله عليه وسلم الأُسْوَةُ وكَفَى بِهِ أسْوَةً لِمَنْ أرادَ عِندَ رَبِّهُ الحُظْوَةَ؛ قَالَ تَعَالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } الأحزاب: ٢١.



    ومِنْ أحْسَنِ مَا قِيلَ في هَذَا مَا قَرَّرَهُ البَصِيرُ صَاحِبُ البَصِيرَةِ السَّالميُّ -رَحِمَهُ اللهُ- في قَولِهِ:





    حَسْبُكَ أنْ تَتَّبِعَ المُخْتَارَا *** وَإِنْ يَقُولُوا خَالَفَ الآثَارَا





    ويقُولُ -رَحِمَهُ اللهُ- في مَوضِعٍ آخَرَ:





    لأَنَّمَا النِّيَّةُ بِالفُؤَادِ *** لا بِالتَّلفُّظَاتِ والتعْدَادِ





    ويقُولُ في مَوضِعٍ ثَالِثٍ:





    وَهِيَّ بالقَلْبِ وباللِّسَانِ *** في قولِ بعضِ النَّاسِ مِنْ عُمَانِ

    وأهلُ نَزْوَى عِنْدَهمْ بالقَلْبِ *** وَهْوَ الذِي مَالَ إِليْهِ قَلْبِي






    ومِنَ المعْلُومِ بَينَ عَوَامِّ النَّاسِ أنْفُسِهمْ أنَّهُ لوْ قَالَ أحَدٌ لصَاحبِهِ: "كُنْتُ نَوَيْتُ بالأَمْسِ زيَارتَكَ" لمْ يكُنْ مَعنَى ذَلكَ أنَّهُ ردَّدَ ألفَاظًا مُعيَّنةً تُفِيدُ هَذَا المقْصِدَ، وإنَّمَا هوَ قصْدُ القَلْبِ فَقَطْ لفِعْلِ ذَلكَ العَمَلِ، فحَصَلَتْ بذَلِكَ النِّيةُ، يقُولُ شَيخُنَا الخَلِيْلِيُّ -أبقَاهُ اللهُ-: " ..هَذَا كلُّهُ يَدلُّنَا عَلَى أَنَّ التَّلفُّظَ باللِّسَانِ لا أَثَرَ لَهُ في النِّيةِ ولا قِيمَةَ لَهُ، إنَّمَا النِّيةُ هِيَ القَصْدُ بِالقَلبِ".



    {فَائِدَةٌ}: ذَكَرَ بعْضُ العُلمَاءِ بِأَنَّ اللهَ تعَالى لوْ كَلَّفَ النَّاسَ بِعمَلٍ مِنَ الأعْمَالِ بِدُون نِيَّةٍ لَكَانَ ذلكَ مِنَ التَّكْليفِ بِمَا لا يُطَاقُ؛ لأنَّ كُلَّ مُقْدِمٍ عَلَى عَمَلٍ لا بُدَّ لَهُ مِنْ إرَادَةٍ دَاخِلِيَّةٍ هِيَ المُعَبَّرُ عنْهَا بِالنِّيَّةِ القَلبِيَّةِ.



    وبذَا تُدْرِكُ -أيُّها الدَّاعِي إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ- أنَّ أَمْرَ النِّيَّاتِ مِنْ أسْهَلِ الأُمُورِ بِخلافِ مَا يظُنُّه كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَذِكْرُهُ هُنَا مِنْ أَجْلِ تَقْرِيرِهِ، وإِلا فَهُوَ تحصِيلُ حَاصِلٍ عندَ كُلِّ عَامِلٍ، وهَذَا خَلْقُ اللَّهِ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  5. #35
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    الرُّكْنُ الثَّانِي/ الإِمْسَاكُ عَنِ المُفطِّرَاتِ:



    أَجمَعَ العُلمَاءُ مِنْ جمِيعِ الأمْصَارِ والأَعْصَارِ عَلَى أنَّ الإِمْسَاكَ عنِ المُفطِّرَاتِ زمَانَ الصَّومِ رُكنٌ لا بُدَّ منهُ لتَمَامِ الصِّيَامِ، ولا بدَّ منَ الإجمَاعِ في هَذِهِ المسْأَلةِ؛ لأنهُ جاءَ بهَا النَّصُّ القَطعِيُّ في ثبوتِهِ ودلالتِهِ، وهوَ قَولُ اللهِ سبحانه وتعالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } -إلى قوله- { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } البقرة: ١٨٧ فهَاكَ تفصِيلَها بِإِيضَاحٍ وتِبيَان:
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  6. #36
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في بِدَايَةِ وَقْتِ الإِمسَاكِ



    تَفَقَّهْ -أخِي، أُعِنْتَ علَى الصِّيَامِ والقيَامِ- أنَّ بدَايةَ يَومِ الصِّيَامِ الإمسَاكِ أوَّلَ ما فُرِضَ كَانَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشَاءِ، فَإِذَا مَا صَلَّى المرْءُ العِشَاءَ أوْ نَامَ قبْلَهَا حَرُمَ علَيهِ الأَكْلُ والشُّربُ، ووَجَبَ في حَقِّهِ الإِمْسَاكُ.



    فَجَاءَ صَاحِبُ البركَاتِ والموَافَقَاتِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بعْدَ المغْرِبِ فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ، فَظَنَّ أَنَّهَا تتعَلَّلُ فَقَطْ، فَوَاقَعَها.. وجَاءَ رَجُلٌ آخرُ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرَادَ الطَّعَامَ فَقَالُوا لَهُ: انتَظِرْ حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا فَنَامَ فأصْبَحَ مُواصِلاً صِيَامَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أنزَلَ اللهُ -تَيسِيرًا لِلأُمَّةِ المرْحُومَةِ، ورَفْعًا لِلْحرَجِ عَنْهَا- أَنْزَلَ قولَهُ تَعَالى:{... فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } البقرة: ١٨٧[17].



    فصَارَ الإِمْسَاكُ لِلصِّيامِ بعْدَ ذَلِكَ مِنْ طُلُوعِ الفَجرِ الصَّادقِ.. وهنَا عِنْدِي لَكَ تَنْبِيْهٌ...



    [تَنْبِيْهٌ]



    الفجرُ فجْرانِ، فجرٌ كاذبٌ وفجرٌ صَادِقٌ، فَالفَجْرُ الكاذبُ: هوَ الذي يطلعُ مستطيلاً متجهًا إلى الأعلى في وسَطِ السَّماءِ، ثم تعقبُهُ ظُلْمةٌ، ويقابِلُهُ الفَجْرُ الصَّادِقُ: وهوَ البياضُ المنتشرُ ضَوْؤُهُ مُعْتَرِضًا في الأفُقِ، والأوَّلُ: لا يَتَعَلَّقُ بهِ شيءٌ منَ الأحكامِ، فحكمُه حكمُ الليلِ، والثَاني: هوَ الذي تتعلقُ بهِ الأحكامُ الشَّرعيةُ كلُّها مِنْ بدءِ الصَّوْم، ودخولِ وقتِ الصبحِ، وانتهاءِ وقتِ الوِتْرِ وهنا عندي لك لطيفة...



    [لَطِيْفَةٌ]



    رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أنهُ اخْتَلَفَ عَبْدَاهُ في طُلُوعِ الفَجْرِ وعَدَمِهِ، فَاسْتَمَرَّ ابْنُ عبَّاسٍ في أَكْلِهِ، وقَالَ لهمَا: "عِنْدَمَا تَتَّفِقَانِ فَأخْبرَاني"، وهَذَا يُؤَكِّدُ مَا سَنُنَبِّهُ علَيهِ حَولَ "الإِمْسَاكِيَّاتِ" قَرِيبًا -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى-





    فَصْلٌ في نهَايَةِ وَقْتِ الإِمْسَاكِ



    لا يخفَى عَلَى مُسْلِمٍ وَفِيٍّ أنَّ يَومَ الصِّيَامِ الإمسَاك ينتَهِي بِتَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمسِ، وهُوَ أوَّلُ اللَّيلِ؛ والدَّلِيلُ مِنَ الكِتَابِ قَولُهُ تَعَالى:{ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } البقرة: ١٨٧، ومِنْ سُنَّةِ النَّبيِّ الأوَّابِ قولُهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ"، أيْ سواءً أَكَلَ أو لمْ يَأكُلْ.



    وتحقُّقُ غُرُوبِ الشَّمسِ لا يَكُونُ إِلا باكْتِمَالِ سُقُوطِ قُرْصِهَا في الأُفُقِ الغَرْبيِّ؛ وَلِذَا فَلا عِبرَةَ بما قَدْ يحْجُبُها قَبلَ الغُرُوبِ مِنْ مُرتَفَعَاتِ الجِبَالِ، ومَشِيدَاتِ البِنَاءِ، وكَثِيفَاتِ السُّحُبِ، ويَكُونُ الصَّائِمُ بِالغُرُوبِ قدْ أفْطَرَ وأَتمَّ يَومَ صَومِهِ فَلا يُلْهِيهِ الاسْتِبَاقُ لِكَثْرةِ الأَكْلِ والشُّرْبِ عَنِ الاسْتِبَاقِ لِلْقيَامِ بالذِّكْرِ والشُّكْرِ.



    {تَنْبِيْهٌ}: وفي الجَانِبِ المُقَابِلِ لا يَنبَغِي لِلأَئِمَّةِ والمؤَذِّنِينَ مُعَاجَلَةُ المصَلِّينَ باِلإِقَامةِ بعدَ الأذَانِ، وهَذَا أَمرٌ ينبَّهُ عَلَيهِ أكثرَ بينَ أذَانِ المغْرِبِ وإقاَمَتِهِ لا سِيَّمَا في شَهْرِ رَمَضَانَ عِندَ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِسُنَّةِ "تعْجِيلِ الإِفْطَارِ"، فمِنَ الأخْطَاءِ مَا يَفعلُهُ بعْضُ النَّاسِ مِن الإِقَامةِ بعْدَ أذَانِ المغْربِ مبَاشَرةً بحُجَّةِ ضِيقِ وقْتِ صَلاةِ المغْربِ المبَالَغِ فِيهِ، بحَيْثُ لا يتَمَكَّنُ مَنْ سَمِعَ النِّداءَ أنْ يُفطِرَ في بَيتِهِ ويلْحَقَ بالجمَاعَةِ إلا وهُمْ في الصَّلاةِ، والحقِيقَةُ أنَّ وَقتَ المغرِبِ مَا لم يَدْخُلْ وقْتُ صَلاةِ العِشَاءِ.



    وفي فَتْوَى لسَماحَةِ شَيخِنَا الخَلِيْلِيِّ -متعَنا الله بحيَاتِهِ- حَولَ الانتِظَارِ بَينَ أذَانِ المغْرِبِ وإقَامَتِهِ في رَمَضَانَ أجَابَ سماحتُهُ : " في شهر رَمَضَانَ علَى الإمَامِ أنْ يَتَحَرَّى الزَّمَنَ، وأنْ يَنظُرَ إلى الظَّرْفِ الذِي يَتَّسِعُ لجمَاعَةِ المسْجِدِ أنْ يُفطِرُوا، وألاّ يُعْجِلَهُم عَنْ إفْطَارِهِمْ.. هَكَذَا يَنبَغِي لهُ أنْ يَبقَى بعْضَ الدَّقَائِقِ في انتظَارِهِمْ حَتى يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَضَاءِ وَطَرِهِم مِنَ الإفطارِ.. حَتى ولوِ امْتَدَّتْ إِلى عَشْرِ دَقَاِئقَ".



    بَلْ يُوسِّعُ شيخُنا القَنُّوبيُّ -رعَاهُ اللهُ- أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ: " وينْبَغِي لإِمَامِ المسْجِدِ أنْ يُراعِيَ النَّاسَ، فَلا بَأْسَ مِنْ أنْ يتَأَخَّرَ -مثَلاً- عَشْرَ دقَائِقَ أوْ رُبعَ سَاعَةٍ أو أكْثَرَ مِنْ ذلكَ بِقَلِيلٍ مُراعَاةً لِلنَّاسِ.. كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أنَّ وقْتَ المغْرِبِ مُضَيَّقٌ جِدًّا بلْ قدْ قَالَ بِذلكَ بَعْضُ أهلِ العِلْمِ وَلَكِنَّ الصَّوابَ بِخِلافَ ذَلكَ، واللهُ -تبَارَكَ وتعَالى- أعْلَمُ".





    قدْ آنَ لِلصَّائِمِ وَقْتُ فِطْرِهِ *** لَطَالما أَرْمَضَ بِالصَّوْمِ الحَشَا





    [لَطِيْفَةٌ]



    عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ } البقرة: ١٨٧ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ يَسْتَبِينَا لِي، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَضَحِكَ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: " إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ".





    فَصْلٌ في تَنْبِيهَاتٍ وَمَسَائِلَ مُتعلِّقَةٍ بِرُكْنِ الإِمْسَاكِ



    {المَسْأَلَةُ الأُوْلى}: يَخرُجُ بِقَيدِ "الإِمْسَاكِ" في تَعْرِيفِ الصِّيَامِ مَا لا يمكِنُ الاحْتِرَازُ مِنهُ ممَّا قدْ يَلِجُ إلى الجَوفِ مِنْ غَيرِ قَصْدٍ، كَمَا لوْ دَخَلَتْ ذُبابَةٌ في الحَلقِ، أو وَصَلَ غُبارٌ أو دَمٌ إِلى الجَوفِ بِغَيرِ اخْتِيارٍ، فهذا معفوٌّ عنهُ في الشَّرْعِ ولا يَنقُضُ الصِّيَامَ، عَمَلاً بالقَاعِدَةِ الفِقْهِيَّةِ " الشَّيءُ إذَا ضَاقَ اتَّسَع"، وصدَقَ القَائِلُ:{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } الحج: ٧٨.



    {المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ}: المعتَبرُ في الإِمسَاكِ وَالإِفطَارِ هوَ نفسُ طلوعِ الفَجرِ وغُروبِ الشَّمسِ بنصِّ الكِتَابِ العَزيزِ، وَليستِ العِبرةُ بالأذانِ؛ لأنَّ الأذَانَ مجرَّدُ علامةٍ عَلَى دُخُولِ الوَقْتِ، وَقدْ يتقدَّمُ عَلَى الوَقتِ وقَدْ يتأَخَّرُ.



    إلا إذَا كَانَ المؤَذِّنُ أمِينًا ومُلتَزِمًا بِالأَذَانِ في الوَقْتِ المحدَّدِ للطُّلُوعِ والغُرُوبِ فيُمْكِنُ أن يُعتَمَدَ عَلَى أذَانِهِ صِيَامًا وإِفْطَارًا؛ كمَا ثَبَتَ في السُّنةِ أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا سمعْتُم بِلالاً فَكُلُوا، وإِذَا سمِعْتُمُ ابنَ أمِّ مَكْتُومٍ فَكُفُّوا"، وَفي بعْضِ الرِّوَايَاتِ زيَادةٌ "وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلا أَعْمَى لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ أَصْبَحْتَ".



    {المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ}: كما تقَدَّمَ معَكَ -عَزِيزِي القَارِئَ- أنَّ المُعْتَبرَ في الصِّيَامِ هُوَ طُلُوعُ الفَجْرِ الصَّادِقِ، أمَّا تِلْكَ الإِمْسَاكِيَّةُ التي تُقَدَّمُ قبلَ الفَجرِ بِعَشْرِ دَقَائِقَ تَقريبًا فَلَيْسَتْ هِيَ إلا مِنْ بَابِ الاحْتيَاطِ، وإلا فَلا حَرَجَ أنْ يُمْسِكَ الصَّائِمُ عندَ طُلوعِ الفَجرِ أو بِأَذَانِ الأَمِينِ كما قَالَ الحَبِيبُ صلى الله عليه وسلم: "..وإذا سَمِعْتُمُ ابْنَ أمِّ مَكْتُومٍ فَكُفُّوا".



    يقُولُ شَيخُنا أبو عَبْدِ الرَّحمنِ القَنُّوبيُّ -وفَّقهُ اللهُ-: " والمُعْتمَدُ عَلَيهِ هُوَ طُلوعُ الفَجرِ.. أمَّا تِلْكَ الإمسَاكِيَّةُ التي قَبْلَ عَشرِ دَقَائِقَ، التي تُوضَعُ في التَّقَاوِيمِ فلا يَجِبُ عَلى الإِنْسَانِ أنْ يَعْتَبِر بِهَا..ول ا أصْلَ لِذَلِكَ في سُنّةِ رَسُولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-".



    {المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ}: مما تقدَّمَ تُدْرِكُ -أيُّها الدَّرَّاكَةُ الخَبيرُ- أنَّهُ يجِبُ الإِمْسَاكُ الفَوْرِيُّ عَلَى مَن سمعَ أذَانَ الفَجرِ في وَقْتِهِ الشَّرعِيِّ، ولا يَصِحُّ لهُ أنْ يَرفَعَ مَا في كَفِّهِ أو يَبلَعَ مَا في فِيْهِ فضْلاً عَنْ أنْ يُواصِلَ مَطعَمَهُ ومَشْرَبَهُ حَتى يَنتَهِيَ المؤذِّنُ كمَا يَفْعَلُ بعْضُ الجَهَلَةِ، والعِيَاذُ باللهِ مِنَ الجَهْلِ.



    أمَّا مَا يُروَى منْسُوبًا إِلى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: " إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْه"، فلا يُمْكِنُ أنْ يَثبُتَ بَلْ حَقُّهُ الرَّدُّ لمعَارَضَتِهِ القَطْعِيَّ مِنَ الكِتَابِ العَزِيزِ { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } البقرة: ١٨٧ فقدْ نَاطَتِ الآيةُ الكَرِيمةُ الأَكلَ والشُّربَ بِأمْرٍ ظَاهِرٍ مُنضَبِطٍ، وهوَ تَبَيُّنُ الفَجرِ، فَلا يَسُوغُ الأَكْلُ والشُّربُ مَعَ تَبَيُّنِهِ وبُزُوغِهِ، وأنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الصَّحَابةَ رضي الله عنهم قدْ رَدُّوا كَثِيرًا مِنَ الرِّواياتِ الَّتي رَوَاهَا مَن رَواها مِنَ الصَّحابَةِ أنفسِهمْ عِندَما شَمُّوا مِنْهَا رَائِحَةَ مُخَالَفَةِ القُرآنِ الكَرِيمِ.



    هَذَا إِضَافةً إلى مَا تقَدَّمَ لدَيكَ مِنْ أَمرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالكَفِّ إذَا سُمِعَ النِّدَاءُ " وإذَا سمِعْتُمُ ابْنَ أمِّ مُكتُومٍ فَكفُّوا"، فأَضِفْ هَذَا إِلى ذَاكَ تَنَلْ رُشْدَكَ وهُدَاكَ.



    {المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ}: مَن أَكَلَ أو شَرِبَ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ ظَنًّا مِنهُ أنَّ الفَجرَ لمْ يَطلُعْ بعدُ فَلا إِثم عَلَيهِ باتِّفَاقِ الجَمِيعِ، واخْتَلفُوا في وُجُوبِ القَضَاءِ عَلَيهِ، والأَرْجَحُ عِندَ شَيخِنا الخَلِيْلِيِّ -حفظه الله- عَدَمُ الوُجُوبِ.



    والدَّلِيلُ علَى هَذَا الرَّأيِ هُوَ اسْتِصْحَابُ الأَصْلِ السَّابِقِ، وهُوَ بقَاءُ اللَّيلِ، وإِنْ كَانَ في الإِعَادَةِ احْتِيَاطٌ وبُعْدٌ عَنِ الخِلافِ، يَقُولُ العَلاَّمَةُ الخَلِيْلِيُّ: " وَالإِعَادةُ أَحْوَطُ، وعَدَمُ وُجُوبِ ذَلِكَ أرْجَحُ"، ويقُولُ في مَوضِعٍ آخَرَ: " ورَأْيُ الفَرِيقِ الأوَّلِ أقوَى حُجَّةً، ورَأْيُ الفَريقِ الثَّاني أَحْوَطُ".



    {المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ}: مَن أفْطَرَ بِأَكْلٍ أو شُرْبٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وهُوَ يَظُنُّ أنَّ الشَّمسَ قَدْ غَرَبَتْ وهِيَ لمْ تَغْرُبْ بعدُ فعَلَيهِ القَضَاءُ؛ اسْتِصْحَابًا للأَصْلِ السَّابِقِ، وهُوَ بقَاءُ النَّهَارِ واسْتِمْرَارُ الصِّيَامِ، وهَذِهِ المسْألَةُ نَظِيرَةٌ للمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ في دَلِيلِهَا الأُصُوليِّ، واللهُ أعلمُ.



    {المَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ}: التَّعَبُّدُ بِالصِّيَامِ نِيْطَ بِالمَكَانِ الذِي يُوجَدُ فِيهِ الإِنْسَانُ، كَمَا تقَدَّمَ مَعَكَ في ثُبُوتِ الشَّهْرِ ومثلُهُ يُقَالُ في صِيَامِ اليَومِ، فلوْ انتَقلَ الإنسَانُ أوْ سَافَرَ مِن مَكَانٍ لآخَرَ في يَومِ صِيَامِهِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ حَسَبَ تَوقِيتِ البَلَدِ الَّتي انتقَلَ إلَيهَا إِنْ كَانَ هنَالِكَ فَارِقٌ زَمَنيٌّ في غُرُوبِ الشَّمسِ؛ فالمُسْلِمُ مخَاطَبٌ بِالصِّيَامِ والإِفطَارِ بحسَبِ المكَانِ الذِي هُوَ فِيْهِ.



    يَقُولُ سماحَةُ بَدْرِ الدِّينِ الخَلِيْلِيُّ -بَارَكَ اللهُ فيهِ، ومتَّعَنَا بحيَاتِهِ-: " فَالأَصْلُ إذًا في الصَّوْمِ أنْ يَبدَأَ بانشِقَاقِ الفَجْرِ إِلى غُرُوبِ الشَّمْسِ في البَلدِ الذِي فيهِ الإِنسَانُ الصَّائِمُ لا في بَلَدٍ آخَرَ، لأَنَّ اللَّيلَ والنَّهارَ يتعَاقَبَانِ عَلَى الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ باسْتِمْرَارٍ، فهُمَا يَلُفَّانِ علَيْها، وَلا يُمكِنُ أنْ تَمُرَّ لَحظَةٌ إِلا وفِيهَا جُزْءٌ مِنَ اللَّيلِ أو جُزْءٌ مِنَ النَّهَارِ في بُقْعَةٍ مِنْ بقَاعِ هَذِهِ الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ"، هَذَا.. { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } الأحزاب: .



    {المَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ}: الإِمسَاكُ والإِفْطَارُ لرَاكِبِ الطَّائِرَةِ يكُونُ بحسَبِ طُلُوعِ الفَجْرِ وغُرُوبِ الشَّمْسِ في الطَّائِرَةِ لا حَسَبَ طُلوعِ الفَجْرِ وغُرُوبِ الشَّمْسِ في الأَرْضِ الَّتي أَسْفَلَ الطَّائِرَةِ، وإذَا سَأَلْتَ عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الملاحَةِ الجَوِّيَّةِ فقَدْ سَقَطْتَ علَى خَبِيرٍ، وَلنْ تُعْدَمَ حِينَهَا جَوَابًا وَسَدَادًا.



    {المَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ}: الأَصْلُ في الصِّيَامِ أنْ يَكُونَ جمِيْعَ النَّهَارِ؛ لِقَولِهِ تَعَالى:{ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } البقرة: ١٨٧، ويُسْتَثْنى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا بَلَغَ طُولُ النَّهَارِ وقِصَرُ اللَّيْلِ حَدًّا لا يمكِنُ أنْ يُطَاقَ مَعَهُ الصِّيَامُ، كَمَا هُوَ الوَاقِعُ في بَعْضِ دُوَلِ أُوُرُوبَّا الشَّمَاليَّةِ، إذ يَمتَدُّ النَّهَارُ لسَاعَاتٍ طَوِيلَةٍ، وفي بَعْضِهَا لمدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.



    وكَذَا الشَّأْنُ في عَكْسِ هَذِهِ المسْأَلَةِ إِنْ بَلَغَ طُولُ اللَّيْلِ وقِصَرُ النَّهَارِ حَدًّا لا يمكِنُ للصَّائِمِ أنْ يحِسَّ فِيهِ بِأنَّهُ صَائِمٌ، أَيْ لا يحِسُّ بالرَّغْبَةِ المعْتَادَةِ في الطَّعَامِ والشَّرَابِ، وهُوَ في غَيْرِ حَالاتِ الصِّيَامِ يَحْتَاجُ فِيْهِ إِلى تَنَاوُلِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ، بِحَيثُ تَفُوتُ حِكْمَةُ الصِّيَامِ.



    والمخْرَجُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أنْ يُلجَأَ إِلى تَقْدِيرِ الصِّيَامِ بِالسَّاعَاتِ؛ وذَلِكَ باتِّبَاعِ أَقْرَبِ بَلَدٍ يتَيسَّرُ فِيهِ صَومُ النَّهَارِ كِلِّهِ، أو يُنظَرَ إِلى وَقْتِ الصِّيَامِ ووَقْتِ الإفْطَارِ في الـمَنطِقَةِ الَّتي تَقَعُ بالقُرْبِ مِنْ خَطِّ الاسْتِوَاءِ عَلَى نَفْسِ خَطِّ الطُّولِ مِنْ هَذِهِ الجِهَةِ الَّتي يُتَعَبَّدُ فيهَا بِالصِّيَامِ، { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } النساء: ٢٨.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  7. #37
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    الباب الخامس: في سنن الصيام ومستحباته
    قَالَ تَعَالى:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة: ١٨٦ - ١٨٧



    تَعَرَّفْ -أيُّها المسْتَبِقُ للْخَيرَاتِ والمسَارِعُ للطَّاعَاتِ- أنَّ لِلصِّيَامِ جملَةَ مَنْدُوبَاتٍ ومُسْتَحَبَّاتٍ ثَبتَتْ عَنْ خَيرِ البرِيَّةِ لا يخفَى عَلَيكَ عِلْمُهَا؛ ولِذَا فَلا يَفُوتَنَّكَ عَمَلُهَا، وهَا نحْنُ هُنَا نجمِلُهَا، مقْرُونَةً بأدِلَّتِهَا لنَحْمِلَكَ عَلَى نَشْرِ فَضَائِلِهَا..



    فقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ القُدُسِيِّ الرَّبَّانيِّ الذِي يَرْوِيهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ رَبِّ العِزَّةِ سبحانه وتعالى: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه،ُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّه،ُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ"..



    فَإِلَيْكَ هَاتِيكَ المُسْتَحَبَّاتِ في فُصُولٍ مُتَوَالِيَاتٍ:





    فَصْلٌ في السُّحُورُ



    لقَدْ أَوْصَى المصْطَفَى المُخَتَارُ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَهُ وأُمَّتَهُ مِنَ بَعْدِهِ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى أَكْلَةِ السَّحَرِ قَبلَ ابتِدَاءِ يَومِ الصِّيَامِ؛ فقَالَ علَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً".



    فالسُّحُورُ مَنْدُوبٌ إِلَيهِ بِلا خِلافٍ؛ ولِذَا فَلا يَنبَغِي لِلصَّائِمِ أنْ يَترُكَهُ ولوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ؛ إذْ إِنَّهُ لا يُرَادُ مِنَ السُّحُورِ أنْ يملأَ المرْءُ مَعِدَتَهُ بَلْ يَكفِي أنْ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ ويَأخُذَ شِقَّ تمرَةٍ، أوْ حَسْوةَ مَاءٍ، أو مَذْقَةَ لَبَنٍ؛ لِيَحُوزَ بَرَكَةَ السُّحُورِ؛ إذْ هُوَ مِنْ أَهَمِّ الوَجَبَاتِ كمَا يَقُولُ الأَطِبَّاءُ، وفي حَدِيثِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: " السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ".



    ولا شَكَّ أنَّ للسُّحُورِ بَرَكَاتٍ وفَوَائِدَ كَثِيرَةً لا تَقْتَصِرُ عَلَى مجَرَّدِ التَّقْوِيَةِ البَدَنِيَّةِ -كمَا يتَبَادَرُ- فَحَسْبُ، بَلْ لَهُ فَوائِدُ وبَركَاتٌ، فمِنْ فوَائِدِهِ وبَرَكَاتِهِ أنَّهُ يُعِينُ عَلَى قِيَامِ اللَّيلِ، واستِغفَارِ السَّحَرِ، ودَعْوَةِ الثُّلُثِ الآخِرِ مِنَ اللَّيلِ، وصَلاةِ الفَجْرِ، واغْتِسَالِ مَن وَجَبَ عَلَيهِ الاغْتِسَالُ مِن جُنُبٍ أحْدَثَ، أو حَائِضٍ ونُفَسَاءَ قدْ طَهُرَتَا.. وكَفَى بِالعَمَلِ بِالسُّنَّةِ فَائِدَةً وبَرَكَةً.





    فَصْلٌ في تَأْخِيرِ السُّحُورِ، وَتعْجِيْلِ الفُطُورِ



    يُسْتَحَبُّ تَأخِيرُ السُّحُورِ آخِرَ اللَّيلِ وقَبلَ الفَجْرِ تَأسِّيًا بخيرِ الهَدْيِ هَدْيِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فقَدْ تَوَاتَرَتْ في ذَلِكَ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ، يَقُولُ الإِمَامُ السَّالميُّ -رحِمَهُ اللهُ-: "أَحَادِيثُ تَعْجِيْلِ الإِفْطَارِ وتَأْخِيرُ السُّحُورِ صِحَاحٌ مُتَوَاتِرَةٌ".



    وفي العَمَلِ بهَذَا خَيرِيَّةُ الأُمَّةِ واسْتِقْلالهُا ومخَالَفَةُ أَهْلِ الكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا يُقَدِّمُونَ السُّحُورَ إِلى مَا قَبلَ مُنتَصَفِ اللَّيلِ، وكَذَا يُستَحَبُّ تَعْجِيلُ الفُطُورِ مخَالَفَةً لأَهْلِ الكِتَابِ أيضًا في عَدَمِ إفْطَارِهِمْ إلا عِنْدَمَا يَرونَ النُّجُومَ؛ قَال صلى الله عليه وسلم: " لا تَزَالُ أُمَّتي بخَيرٍ مَا عَجَّلُوا الإِفْطَارَ وأَخَّرُوا السُّحُورَ"، وعنْدَ الإِمَامِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ".



    ويُؤَكِّدُ سماحَةُ المُفْتي -حفِظَهُ اللهُ- هَذَا المعْنى في البرنَامَجِ القَيِّمِ "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ" قَائِلاً: " وهَذَا خِلافُ مَا عَلَيهِ أهْلُ الكِتَابِ مِنْ تَأخِيرِ الفُطُورِ وتَعْجِيلِ السُّحُورِ؛ فإِنّ أهْلَ الكِتَابِ في صِيَامِهمْ إذَا وَصَلَ مُنتَصَفُ اللَّيلِ ليْسَ لِلصَّائِمِ أنْ يَأْكُلَ شَيئًا بَعدَ ذَلكَ .. يَبدَأُ الصِّيَامُ مِن مُنْتَصَفِ الليْلِ، حَتى سَمِعْتُ بعضَهُم يُؤكِّدُ ذَلِكَ وأنّهُم يَتَّبِعُون هذَا إلى وَقْتِنَا هَذَا".
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  8. #38
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في السِّوَاكِ



    اعْلَمْ -أيُّها الطَّالبُ النَّبِيْهُ- أنَّهُ قَدْ وَرَدَ في اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ وفي كَرَاهَتِهِ نهَارَ الصِّيَامِ أحَادِيثُ ومَرْوِيَّاتٌ إلا أنَّ جميعَ ذَلِكَ لم يَثبُتْ عَنْ سَيِّدِنَا المبَلِّغِ صلى الله عليه وسلم، فسَقَطَ الاحْتِجَاجُ بالجَمِيعِ وبَقِيَ الاسْتِدْلالُ بالأَحَادِيثِ العَامَّةِ المُثبِتَةِ لفَضِيلَةِ السِّوَاكِ واستِحْبَابِهِ في كُلِّ الأَحْوَالِ كقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتيْ لأمَرْتُهمْ بِالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ وَكُلِّ وُضُوءٍ" وقَدْ قِيلَ قَدِيمًا وأُعيدَ حَدِيثًا: إذَا جَاءَ نهرُ اللهِ بَطَلَ نهرُ مَعْقِلٍ.



    وبِذَا تُدْرِكُ أنَّ المُعْتمَدَ في القَضِيَّةِ -عنْدَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ- هوَ بَقَاءُ اسْتِحبَابِ السِّواكِ في نهَارِ الصِّيَامِ، لا فَرقَ بَينَ أوَّلِهِ وآخِرِهِ، ولا بَينَ رَطْبِ السِّوَاكِ ويَابِسِهِ، يَقُولُ سماحَتُهُ -حَفِظَهُ اللهُ-: " الصَّحِيحُ بأنَّهُ لا يُكرَهُ السِّواكُ سَواءً قَبلَ الزَّوالِ أو بعْدَهُ، وسَواءً كَانَ بِالرَّطْبِ أو باليَابِسِ"، ويَقُولُ فَضِيلَةُ الشَّيخِ القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ-: " والسِّواكُ لا دَلِيلَ عَلَى مَنْعِهِ بَلِ العُمُومَاتُ تَدُلُّ عَلَى مشْرُوعيَّتِهِ"، وعَلَى هذَا الرَّأيِ -أيضًا- إمَامُ المذْهَبِ أبُو سَعِيدٍ الكُدَمِيُّ النَّاعِبيُّ، وإنِ اشْتَهَرَ في آثَارِ أصْحَابِنَا خِلافُهُ، إلا أنَّهُ لاحَظَّ للنَّظرِ مَعَ ثبُوتِ الأثَرِ عنْ سيِّدِ البَشرِ صلى الله عليه وسلم.



    {تَنْبِيْهٌ}: السِّوَاكُ -كمَا فَقِهْتَ- مَشْرُوعٌ في حَقِّ الصِّائِمِ، ولا فَرقَ بَينَ أنْ يَكُونَ هَذَا الاسْتِيَاكُ بِعُودِ الأَرَاك أو بالفُرْشَاةِ المعْرُوفَةِ، عَلَى أنْ يَتَجَنَّبَ الصَّائِمُ في نهَارِ صَومِهِ اسْتِعْمَالَ المعَاجِينِ العَصْرِيَّةِ في تَسَوُّكِهِ، فإنَّ في اسْتِعْمَالِهَا مخَاطَرَةً شَدِيدَةً؛ لأَنَّ لهَا نَدَاوَةً تتَطَايَر ويُخْشَى مِنْ وُلُوجِها إلى جَوفِ الصَّائِمِ، فَكُنْ مِنْهَا عَلَى حَذَرٍ.



    لَطِيْفَةٌ



    قالَ أحَدُ الشُّعَرَاءِ مُسْتَغِلاًّ الجِنَاسَ اللَّطِيفَ في لَفْظَتي السِّوَاكِ والأَرَاكِ:





    لا أُحِبُّ السِّواكَ مِنْ أَجْلِ أَني *** إِنْ ذَكَرْتُ السِّواكَ قلتُ سِوَاكَا

    وأُحِبُّ الأَراكَ مِنْ أَجْلِ أَني *** إِنْ ذَكَرْتُ الأَرَاكَ قلتُ أَرَاكَا

     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  9. #39
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في الإِفْطَارِ عَلَى مَا لم تمسَّهُ النَّارُ



    اسْتَحَبَّ العُلمَاءُ أنْ يُفطِرَ المرْءُ بعدَ تحقُّقِ غُرُوبِ الشَّمسِ عَلَى شَيءٍ مِنَ الطَّعَامِ لم تمسَّهُ النَّارُ؛ أخْذًا ممَّا جَاءَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ"، وفِي هَذَا إعْجَازٌ عِلْمِيٌّ..



    إِعْجَازٌ عِلْمِيٌّ




    ثبَتَ طبِّيًّا أنَّ السُّكَّرَ والماءَ همَا أوَّلُ مَا يحتَاجُ إلَيْهِ الجِسْمُ عِنْدَ الإِفْطَارِ وبَعْدَ خُلوِّ المعِدَةِ مِنَ الطَّعَامِ؛ لأنَّ نَقْصَ السُّكرِ فِي الجِسْمِ ينتجُ عنهُ أحيانًا ضِيقٌ فِي الخُلُقِ، واضْطِرَابٌ في الأعْصَابِ، وأنَّ نقْصَ الماءِ يُؤَدِّي إلى إنْهاكِ الجِسْمِ وهُزَالِهِ، ومِنْ هنَا يتبَينُ لنَا مَدْلُولُ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ الكَرِيمةِ بالإفْطَارِ عَلَى التَّمْرِ والمَاءِ، والحمْدُ للهِ ذِي الحِكَمِ البَاهِرَةِ، والنِّعَمِ السَّابغَةِ، والآلاءِ الظَّاهِرَةِ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  10. #40
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في الدُّعَاءِ عِنْدَ الإِفطَارِ



    لَقَدْ تَقَرَّرَ لَدَيكَ -أخِي العَابِدَ- أنَّ دَعْوةَ الصَّائِمِ عِندَ فِطْرِهِ مُستَجَابةٌ لا تُرَدُّ؛ لِمَا رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ لِلصَّائمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً"فلِلإنْسَانِ أنْ يَدْعُوَ في ذَلكَ الموْضِعِ بمَا اصْطَفَاهُ مِنْ خَيرَي الدُّنْيَا والآخِرَ، ومِنَ السُّنةِ أنْ يَقُولَ المُفْطِرُ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ".



    وكَذَلِكَ إذَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ عِندَ غَيرِهِ فإنَّهُ يُندَبُ لَهُ أنْ يَدْعُوَ لمنْ فطَّرَهُ بالدُّعَاءِ المشْهُورِ الذِي جَاءَ عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى صَحْبِهِ وسَلَّمَ-: " أَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ".
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  11. #41
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في الإِكْثَارِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالقِرَاءَةِ والجُودِ



    لا شَكَّ أنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَارُ سِبَاقٍ ومَيدَانُ تَنَافُسٍ، يَتَنَافَسُ فيهِ المتنَافِسُونَ في الذِي يُقرِّبهُمْ إِلى اللهِ زُلْفَى، فشَهْرُ رَمَضَانَ لَيْسَ مجرَّدَ شَهرِ كَرَمٍ وجُودٍ فحَسْبُ، وإنَّمَا هُوَ شَهرُ الإِكثَارِ منْ كُلِّ ذَلِكَ بَلا خَوفٍ مِنْ فَقرٍ أوْ إقْتَارٍ ممَّا تجُودُ بِهِ الأَيَادِي البِيضُ والنُّفُوسُ الطَّاهِرَةُ عَلَى ذَوِي الحَاجَةِ والمسْغبَةِ ممَّا فَضُلَ عِندَهُم مِنْ حُطَامِ الدُّنيَا الفَاني وظِلِّهَا الزَّائِلِ ليَكُونَ عِنْدَ اللهِ بَاقِيًا؛ قَالَ تَعَالى:{ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل: ٩٦



    وهذَا الشَّهرُ هوَ شَهرُ الدُّعَاءِ والذِّكْرِ؛ لأَنَّ دَعْوَةَ الصَّائِمِ فيهِ مجَابَةٌ ولا شَكَّ -كمَا تقَدَّمَ-، والدَّلِيلُ المؤَكِّدُ لذلِكَ أنَّ آيَةَ الدُّعَاءِ جَاءَتْ وسَطَ آيَاتِ الصِّيَامِ مَعَ تَكَفُّلِ اللهِ عز وجل بنَفْسِهِ بِإجَابَةِ مَنْ سَأَلَ عَنهُ سبحانه وتعالى إذْ يقُولُ عز وجل فِيهَا:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة: ١٨٦


    وكَذَا فإِنَّ رَمَضَانَ هوَ شَهرُ العَبِّ مِنْ مَعِينِ القُرآنِ الدَّافِقِ بِتِلاوَتِهِ وتَدَبُّرِهِ وتَبَصُّرِ معَانِيهِ؛ وكُلُّ هَذَا كَانَ أسْبَقَنَا إلَيهِ الأُسْوَةُ الحَسَنَةُ، العَبدُ الشَّكُورُ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذِي كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  12. #42
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ



    وإنَّ مِنْ أجْودِ الجُودِ وأكْمَلِ البرِّ في شَهْرِ الصَّبرِ تفْطِيرَ الصَّائِمِينَ؛ لما جَاءَ في سُنَّةِ أبي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَرغِيبٍ وحَثٍّ؛ إذْ في سُنَّتِهِ أَنَّ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ كَأجْرِ ذَلِكَ الصَّائِمِ؛ قَال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ، فاحْرِصْ عَلَيهِ، لا يَفُوتنَّكَ هَذَا الفَضْلُ.





    فَصْلٌ في الاعْتِكَافِ



    وهُوَ أنْ يحبِسَ الإِنسَانُ نفْسَهُ في المسْجِدِ للْعِبَادَةِ مُقْتَرِنًا بِشَعِيرَةِ الصِّيَامِ، وعَسَى أَنْ نُفْرِدَ في آخِرِ هَذِهِ الأَبْوابِ بَابًا مُسْتَقِلاًّ في فِقْهِ الاعْتِكَافِ وحَبْسِ النَّفسِ -بإِذْنِ اللهِ تعَالى-؛ فَالجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الجُودِ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  13. #43
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في صَلاةِ التَّرَاوِيْحِ



    تفقَّهْ -أُخَيَّ، رُزقتَ راحَةَ الدَّارَينِ- أنَّ صَلاةَ التَّرَاويحِ هِيَ جُزْءٌ مِنْ قيَامِ رَمَضَانَ -كمَا سَيَأْتي-، والتَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مِنَ السُّننِ الَّتي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقدْ جمعَ النَّاسَ لها عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه، وأجمعَ المسْلِمُونَ علَى اسْتِحْسَانِ صَنِيعِهِ هَذَا، وقَالُوا في تَاركِهِ بأنّهُ خَسِيسُ الحَالِ.



    ولمْ يترُكْهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جمَاعةً بَعدَ أنْ صَلَّى بأَصْحَابِهِ عِدَّةَ ليَالٍ إلا خَشْيَةَ أنْ تُفرَضَ علَيهِمْ، يقُولُ شَيخُنا بدرُ الدِّين -حَرَسَهُ الحَفِيظُ الرَّقِيبُ-: " وَقدْ عُرِفَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كَانَ يَترُكُ العَمَلَ وَهُوَ مِنْ أَحبِّ الأَعمَالِ إِليْهِ لئَلا يُفرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ، ومِنْ ذلكَ عَدَمُ خُروجِهِ إِلى أَصحَابِهِ في المسْجِدِ لصَلاةِ قِيامِ رَمَضَانَ بعدَما صَلَّى بهمْ ليْلتَينِ أوْ ثَلاثًا".



    فأخذَ النّاسُ بعدَ ذلكَ يُصَلُّونَ بأنفسِهِمْ أوزاعًا متفرِّقينَ، حتى جمعَهُمْ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه على قارئٍ واحدٍ، وهو أُبَيُّ بنُ كعبٍ، فلمَّا رآهُمْ يصلُّونَ مجتمعينَ قالَ عمرُ: "نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ"، يُرِيدُ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ.



    صِفَةُ صَلاةِ التَّراويحِ: أنْ تُصلَّى ثمانِي ركعَاتٍ كمَا صَلاَّها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، يَفْصِلُ بينَ كلِّ ركعَتينِ بتشَهُّدٍ يعقبُهُ سَلامٌ، وكذا الشَّأنُ في جميعِ نافلةِ اللَّيلِ؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: "صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى"، ثمّ يختِمُ تراوِيحَهُ بالوِتْرِ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ، ويمكِنُ للمُصلِّي أنْ يُروِّحَ بالدُّعَاءِ أو بالبَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ بعْدَ كُلِّ أَربَعِ ركَعَاتٍ، وحينَئِذٍ تُسَمَّى كُلُّ أَرْبَعٍ "قِيَامًا"، ويأتيْ بالدُّعَاءِ المُسْتَحْسَنِ بَعْدَ صَلاةِ الوِتْرِ.



    [تَنْبِيْهٌ]
    : مِنْ شِعَارِ هَذِهِ الصَّلاةِ الجمَاعَةُ فَلا يَنبغِي للرِّجَالِ أَنْ يُصَلُّوهَا فُرَادَى إِلا مِنْ عُذْرٍ، وقدْ زالتِ العِلةُ التي تَرَكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أجلِهَا الجماعةَ، وهِيَ الرَّأفةُ بأمَّتِهِ خَشْيةَ أنْ تُفْرَضَ عليهِمْ، وكَذَا كانَ في كُلِّ شُؤُونِهِ صلى الله عليه وسلم، رحِيمًا بأمَّتِهِ، مُشْفِقًا عَلَيهَا حَتى يجِيءَ يَومَ القِيَامَةِ وهُوَ يقُولُ ويُرَدِّدُ: " أُمَّتِي أُمَّتِي"، وقَدْ صَدَقَ فيْهِ قولُهُ تَعَالى:{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة: ١٢٨.



    [فَائِدَةٌ]: سُمِّيتْ صَلاةُ الجمَاعةِ بعدَ العِشَاءِ في ليَالي رَمَضَانَ بالتَّراويحِ لأنَّ النَّاسَ كَانُوا يُطِيلُونَ القِرَاءةَ يَسترِيحُونَ فيْهَا بعْدَ كُلِّ ركعَتَينِ، واسْتَقَرَّ الكثيرُ الآنَ عَلَى التَّخْفيفِ والاسترَاحَةِ بعدَ كلِّ أربعٍ، ويقْرؤونَ في هَذِهِ الاسْتِراحَةِ بعضَ الأذْكَارِ وَالأدعِيَةِ..



    فَتْوَى




    السُّؤَالُ/ ما قولُكُمْ سماحةَ الشَّيخِ في الأدْعيةِ التي تُقَالُ بعدَ كلِّ أربعِ ركعاتٍ مِنْ صَـلاةِ الترَاويحِ ؟



    الجَوَابُ/ الأدعيةُ التي تردَّدُ في التراويحِ عندَنَا ليستْ واجبةً، وليستْ جزءًا مِنَ الصلاةِ، وإنما يُستَحسَنُ للإِنسَانِ أنْ يدْعوَ اللهَ بعدَ كلِّ صَلاةٍ لقولِهِ تَعَالى:{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } الشرح: ٧- ٨، وقدْ دَرَجَ النّاسُ عندنَا عَلَى اسْتِعْمالِ الدُّعاءِ بعدَ أربعِ ركَعَاتٍ مِنَ التَّراويْحِ، أو الإتيَانِ بالباقيَاتِ الصَّالحاتِ، وليسَ ذلكَ مِنَ الوجوبِ في شَيءٍ، كَمَا أنّهُ لا توقيفَ في ذلكَ على شَيْءٍ بعَينِهِ، واللهُ أعلمُ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  14. #44
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في قِيَامِ رَمَضَانَ



    قيَامُ رَمَضَانَ هو قيامُ اللَّيْلِ في هذا الشَّهْرِ الفَضِيلِ، وهُوَ أَفْضَلُ النَّوافِلِ عَلَى الإِطْلاقِ بعْدَ الفَرائِضِ، يقُولُ شَيخُنا بدْرُ الدِّينِ -حفِظَهُ اللهُ-:"وَلا ينْبغِي لِعَاقِلٍ أنْ يُفوِّتَ قِيامَ اللَّيلِ"، وأفضلُهُ ما كانَ في الثلثِ الأَخِيرِ مِنَ اللَّيلِ؛ لأنَّ قراءَتَهُ محضورةٌ، ودعاءَهُ أقربُ؛ أمَّا نِصْفُ اللَّيلِ فهُوَ جَوفُهُ الغَابرُ.



    ويبدأُ وقتُ قيامِ اللَّيلِ مِنْ بعدِ صَلاةِ العِشَاءِ وينتَهِي بِبُزُوغِ الفَجْرِ الصَّادقِ.



    وهوَ رَكْعَتانِ ركْعَتَانِ كمَا ثبَتَ مِنْ فعْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومِنْ قَولِهِ: "صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى"، أيْ: يَفْصِلُ المصَلِّي بعْدَ كُلِّ رَكْعَتَينِ بالتَّشَهُدِ والسَّلامِ.



    [تنبيهٌ]
    : وبما أنَّ صَلاةَ اللَّيلِ -بما فيهَا التَّرَاويحُ كَمَا تقدَّمَ قَرِيبًا- مَثْنَى مَثْنَى يُفصلُ بينها بالسَّلامِ، فكلُّ ركعتينِ تعدُّ صلاةً مستقلةً بنفسِهَا، مِنَ حيثُ النيةُ، والاستعاذةُ، والاسْتِدراكُ، وسجودُ السَّهوِ.



    أمَّا التَّوْجِيْهُ: فإنَّ مُصَلِّي القِيَامِ مُخَيَّرٌ بينَ أنْ يُوَجِّهَ قَبلَ كُلِّ تكْبِيرةِ إحْرَامٍ، أو أنْ يقتَصِرَ عَلَى التَّوجِيهِ الأَوَّلِ في أوَّلِ ركْعَتَينِ.



    اِقْرأْ وتفَكَّرْ



    قَالَ تَعَالى:{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } الزمر:٩.



    {فَائِدةٌ}: صَلاةُ التَّراويحِ تُصلَّى بعدَ فريضةِ العشاءِ وسنَّتِهِ مباشرةً، وتمتدُّ إلى منتصفِ الليلِ، ثمّ تبدأُ صَلاةُ التَّهَجُّدِ مِنْ منتصفِ اللَّيلِ حتى الثُّلثِ الأخيرِ مِنْهُ، وتُسَمَّى بعدَ ذلكَ صَلاةَ السَّحَرِ أي مِنْ ثلثِ اللَّيلِ الأخيرِ إلى طلوعِ الفجرِ، ولكنْ حبَّذا إذا جمعَ المجِدُّونَ والمشمِّرونَ بينَهَا جميعًا؛ فالكلُّ قيامُ رَمَضَانَ، وقد قالَ صلى الله عليه وسلم :"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه"..

    وبالجُمْلَةِ فإنَّهُ لا يَنبَغِي لمؤْمِنٍ عَاقِلٍ أنْ يَعْزِفَ عَنِ الأعْمَالِ الصَّالحَاتِ بمُختَلَفِ صُنُوفِهَا وأَلْوَانِهَا في هَذَا الشَّهْرِ بلْ عَلَيهِ أنْ يُكْثِرَ مِنْهَا قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ لا سِيَّمَا في العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْهُ اقْتِدَاءً بِالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الذِي كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.





    وحبَّذَا إذَا جمعْتَ الكُلاَّ *** ونِلْتَ مِنْ أقْدَاحِهَا المُعَلاَّ
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  15. #45
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    مُلْحَقٌ





    دُعَاءُ الوِتْرِ في صَلاةِ التَّرَاوِيْحِ*



    لسَماحَةِ الشَّيخِ العَلاَّمَةِ بَدْرِ الدِّيْنِ الخَلِيْلِيِّ -حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ - :



    سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، والمُلْكُ للهِ، والعَظَمَةُ والكِبرِيَاءُ للهِ، ولا إِلَهَ إلا اللهُ واللهُ أكْبرُ، وللهِ الحَمْدُ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَزِنَة عَرْشِهِ، ومِدَادَ كَلِمَاتِهِ، ورِضَاءَ نَفْسِهِ، وكمَا يَنْبَغِيْ لَهُ وكَمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، لا يَنْقَطِعُ ولا يَنْفَدُ مِنْ أَزَلِ الأَزَلِ إِلى أَبَدِ الأَبَدِ، وصلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وآلِهِ وسَلَّمَ.



    { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }
    آل عمران: ٨.



    اللَّهُمَّ اهْدِنا فيمَنْ هَدَيتَ، وعَافِنَا فيمَن عافَيتَ، وتولَّنا فيمَن تولَّيتَ، وباركَ لنَا فيمَا أَعطيتَ، واصْرِفْ عنَّا شرَّ ما قضَيتَ، إنَّكَ تَقضِي ولا يُقضَى عَليكَ، إِنهُ لا يذلُّ مَن والَيتَ، ولا يَعزُّ مَن عادَيتَ، تباركْتَ رَبَّنَا وتعالَيتَ، فَلَكَ الحمْدُ عَلى مَا قَضَيتَ.



    اللَّهُمَّ اقْسِمْ لنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تحُولُ بِهِ بَينَنَا وبَينَ مَعْصِيَتِكَ، ومِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبلِّغُنا بِهِ رَحمتَكَ، ومِنَ اليَقِينِ بِكَ مَا يُهَوِّنُ عَلينَا مَصَائِبَ الدُّنيا، ومتِّعنَا اللَّهُمَّ بأبصارِنا وأسماعِنَا وعقولِنَا وقُوَانَا أبدًا ما أحْيَيتَنَا، واجْعَلْ ذلكَ الوَارِثَ منَّا، وانصُرْنا علَى مَن ظَلمنَا وعادَانا، ولا تجعَلْ مُصيبَتنا في دِينِنَا، ولا تُسلِّطْ عَلينا بذُنوبِنَا مَن لا يخافُكَ ولا يَرحَمُنا.



    اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيراتِ، وتَركَ المنكرَاتِ، وحُبَّ الصَّالحاتِ، ورحمةَ المسَاكينِ، فإذَا أردْتَ بعبَادِكَ فتنةً فاقبِضْنا إليكَ غَيرَ خَزَايا ولا مفتُونينَ.



    اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ بأنَّا نشْهدُ أنكَ أنتَ اللهُ لا إِله إلا أنتَ، الوَاحدُ الأَحدُ، الفَردُ الصَّمدُ، الَّذي لم يلدْ ولم يُولَدْ، ولم يَكُنْ لهُ كفوًا أَحَدُ.



    اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ أنْ لا تجعلَ لنَا في مقامِنَا هَذَا ذنبًا إلا غفرْتَهُ، ولا عيبًا إلا سَترتَهُ، ولا غمًّا إلا فرَّجتَهُ، ولا كَربًا إلا نفَّسْتَهُ، ولا دَينًا إلا قَضيتَهُ، ولا مَريضًا إلا عافيتَهُ، ولا غائبًا إلا حفظتَهُ ورددتَهُ، ولا ضَالاًّ إلا هديتَهُ، ولا عَدوًّا إلا كفيتَهُ، ولا دعاءً إلا استجبتَهُ، ولا رجاءً إلا حققتَهُ، ولا حاجةً من حَوائجِ الدُّنيا والآخرةِ لكَ فيهَا رضًا ولنَا فيهَا مَنفَعَةٌ إلا قضَيتَهَا ويسَّرتها بيُسْرٍ منكَ وعَافيَة.



    اللَّهُمَّ اجعلِ الموتَ خيرَ غائبٍ ننتظرُه، والقبرَ خيرِ بَيتٍ نعمرُه، واجعلِ ما بعدَهُ خيرًا لنَا منْه.



    اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ أنْ تهبَ كُلاًّ منَّا لسَانًا صادقًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا مُنِيبًا، وعملاً صالحًا زاكيًا، وعلمًا نافعًا رافعًا، وإيمانًا خالصًا ثابتًا، ويقينًا صادقًا راجحًا، ورزقًا حلالاً واسعًا، ونَسْأَلُكَ ربَّنا أنْ تهبَنَا إنابةَ المُخلصِينَ، وخُشوعَ المُخبتينَ، ويَقِينَ الصِّدِّيقينَ، وسعَادَةَ المُتقينَ، ودَرَجَةَ الفَائِزِينَ، يا أفضَلَ مَن قُصِدَ، وأكرَمَ مَن سُئِلَ، وأَحْلَمَ مَن عُصِيَ، يا الله يا ذَا الجَلالِ والإِكرَامِ.



    اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الخَيرَ كلَّهُ فواتحَهُ وخواتمَهُ، ظواهرَهُ وبواطنَهُ، ما علمْنا منهُ ومَا لم نعلمْ، ونعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ فواتحِهِ وخواتمِهِ، ظواهرِهِ وبواطنِهِ، ما علمْنا منهُ وما لم نعلمْ.



    اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ الجنةَ وما يُقرِّبُ إليهَا، ونعوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وما يُقرِّبُ إليهَا، ونَسْأَلُكَ مِن كُلِّ خيرٍ سَأَلكَ منهُ عبْدُكَ ورَسُولُكَ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، ونعوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ استعَاذَ منهُ عبْدُك ورسُولُكَ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.



    اللَّهُمَّ ما قضيتَ لنَا مِن أمرٍ فاجْعلْ عاقبتَهُ لنَا رُشدًا، وأصلِحْ لنا شَأنَنَا كُلَّهُ، يا مُصلحَ شأنِ الصَّالحينَ، ولا تكِلْنا إلى أنفسِنَا ولا إِلى أحدٍ مِن خلقِكَ طرفَةَ عَينٍ ولا أدْنى مِن ذَلكَ ولا أَكثرَ، يا ذَا الجلالِ والإكرامِ.



    اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ إيمانًا بكَ، ووفَاءً بعهْدِكَ، وتصديقًا بكتابِكَ، واتِّباعًا لسنةِ نبيِّكَ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-.



    اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمتِكَ، وعزائِمَ مَغفرتِكَ، والسَّلامةَ مِنْ كُلِّ إثمٍ، والغَنيمَةََ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوزَ بالجنَّةِ والنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.



    اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ الرَّاحةَ عندَ الموتِ، والعفوَ والتَّيسِيرَ عندَ الحِسَابِ، والفَوزَ بالثَّوابِ، والنَّجاةَ مِنَ العَذَابِ، يا كَريمُ يا وَهَّابُ.



    اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ عَيشَ السُّعداءِ، ومَوتَ الشُّهداءِ، ومُرافقةَ الأَنبياءِ، والنَّصرَ عَلَى الأعدَاءِ، يا حَيُّ يا قيُّومُ يا ذَا الجَلالِ والإكرامِ.



    اللَّهُمَّ إنا نعوذُ بكَ مِن عُضالِ الدَّاءِ، ونعوذُ بكَ مِن جَهْدِ البَلاءِ، ونعوذُ بكَ مِن دَرَكِ الشَّقاءِ، ونعوذُ بِكَ مِن شماتةِ الأعْداءِ، ونعوذُ بكَ مِن غَلَبةِ الدَّينِ، ونعُوذُ بِكَ مِنْ قَهْرِ الرِّجَالِ، ونعوذُ بِكَ مِن سُوءِ الحَالِ، ونعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّ المآلِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ.



    اللَّهُمَّ إنا نعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّكِّ والشِّركِ، ومِنَ الشِّقَاقِ والنِّفَاقِ، وسُوءِ الأَخْلاقِ وسُوءِ المنقَلَبِ في المالِ والأَهْلِ والوَلَدِ.



    اللَّهُمَّ إنا نعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ جَهنَّمَ، ونعُوذُ بكَ مِنْ عَذَابِ القَبرِ، ونعُوذُ بِكَ مِنْ فتنَةِ المسيْحِ الدَّجَّالِ، ونعوذُ بكَ مِن فتنةِ المحيَا والممَاتِ، ونعُوذُ بكَ مِنَ المأثمِ والمغْرَمِ، ونعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أنتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِها.



    اللَّهُمَّ إنا نعُوذُ بكَ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا ومِنْ سَيِّئاتِ أعمَالِنا، اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بكَ مِن أنْ نُشرِكَ بكَ شيئًا نعلمُهُ ونستغفِرُكَ لما لا نعلمُهُ.



    اللَّهُمَّ اغفرْ لنَا سيئاتِنا كلِّها، وتقبلْ منَّا حَسَنَاتِنَا، وارفعْ دَرَجَاتِنا، واجعلْنَا معَ الَّذِين أنعمتَ عليهِمْ مِنَ النَّبيينَ والصدِّيقينِ والشُّهداءِ والصَّالحينَ، وحَسُنَ أولئكَ رفيْقا، يا اللهُ يا ذَا الجَلالِ والإكرَامِ.



    اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ أنْ تهديَنا للهُدَى، وأنْ تُوفِّقَنا للتَّقْوى، وأَنْ تَأخذَ بأيدِينَا إِلى مَا تحبُّهُ وتَرضَاهُ، يا ذَا الجَلالِ والإكرَامِ.



    اللَّهُمَّ إنكَ عفوٌّ كَرِيمٌ تحبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنَّا، اللَّهُمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمٌ تحِبُّ العفْوَ فاعْفُ عنَّا، اللَّهُمَّ إنَّكَ عفُوٌّ كَريمٌ تحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنَّا، يا اللهُ يا ذَا الجَلالِ والإكرَامِ.



    اللَّهُمَّ أعنَّا عَلَى ذكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عبادتِكَ، اللَّهُمَّ أعنَّا عَلَى ذكرِكَ وشُكْركَ وحُسْنِ عبادتِكَ،



    اللَّهُمَّ أعنَّا عَلَى ذكرِكَ وشُكْركَ وحُسْنِ عبادتِكَ.



    اللَّهُمَّ رَبَّنَا انصُرْنا وانصرْ جميعَ المسْلمينَ عَلَى أعدَاءِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ مزِّقْهمْ شرَّ مُمَزَّقٍ وشتِّتْهُم كلَّ مُشتَّتٍ، واجعَلِ الدَّائرَةَ علَيهِمْ، وانصُرْنا عَلَيهِم، وامْحُ آثَارَهُمْ، وأوْرِثْنا أرضَهُم وديَارَهُمْ، واردُدْ كيدَهُم في نحورِهِم، وأعِذْنا مِن شُرورِهِم، وافعلْ بهمْ كمَا فعلْتَ بثمُودَ وعَادٍ وفِرعَونَ ذِي الأَوتَادِ الَّذِينَ طغَوا في البِلادِ فَأكثَرُوا فيهَا الفَسَادَ، اللَّهُمَّ صُبَّ عليهِم سَوطَ عذَابٍ، وحُلْ بينَهُم وبينَ مَا يَشتهُونَ، وافعلْ بهمْ كمَا فعلْتَ بأشيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل.



    اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْتخلِفْنا في أرضِكَ كمَا استخلَفْتَ مَن قبلَنا مِن عِبَادِكَ الصَّالحينَ، ومكِّنْ لنَا دِينَنَا الَّذِي ارتَضَيتَهُ لنَا، وأبدِلْنا بخَوفِنَا أمنًا، وبذُلِّنَا عِزًّا، وبتَفَرُّقِنا وحْدَةً، وبفَقْرِنا غِنى، واجمعْنَا عَلَى كَلِمَتِكَ وألِّفْ بَينَ قُلُوبِنَا بطَاعَتِكَ.



    اللَّهُمَّ إنَّا ضُعَفَاءُ فقَوِّنا، وإنَّا أذِلاءُ فَأَعِزَّنا، وإنَّا فُقَرَاءُ فأغْنِنَا، اللَّهُمَّ اغْنِنَا بحلالِكَ عنِ الحَرامِ، وبطاعَتِكَ عَنِ الآثامِ، وبكَ عمَّنْ سِواكَ، سُبحانَكَ رَبَّنَا لا نحصِي ثناءً عليكَ، أنتَ كمَا أثنيتَ عَلَى نفسِكَ، نستغفِرُكَ ونتوبُ إليكَ، ونعوِّلُ في إجَابَةِ دعائِنا عليكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.



    اللَّهُمَّ رَبَّنَا تقبَّلْ منَّا صيَامَنَا وقيَامنَا وجميعَ أعمَالِنَا، وتجَاوَزْ عَنْ سيَّئاتِنَا، واجعَلْنَا مِن عُتقـَائِك مِنَ النارِ، رَبَّنَا أعتقْ رقابَنا ورقابَ آبائِنَا وأمَّهَاتِنَا وأزوَاجِنَا وذُرِّياتِنَا وجميعِ أحبَابِنَا مِنَ النَّارِ، وأدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبرَارِ، واجعَلْنَا مَعَ الَّذينَ أنعمْتَ عليهِمْ مِنَ النَّبيينَ والصَّدِّيقينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالحينَ وحَسُنَ أولئِكَ رَفِيقًا يا اللهُ يا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ.



    اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيثَ ولا تجعلْنا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا غيثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، طَبَقًا غَدَقًا، نافِعًا غَيرَ ضَارٍّ، رائِثًا غيرَ عاجلٍ، تُدِرُّ بهِ الضَّرعَ، وتُنبِتُ بهِ الزَّرعَ، وتحيِي بهِ الأرضَ بعدَ مَوتها.



    اللَّهُمَّ إنَّ بِالعبَادِ والبِلادِ والبَهَائِمِ مِنَ الَّلأْواءِ والأَذَى والشِّدَّةِ والجَهدِ والضَّنك مَا لا نَشكُوهُ إِلا إلَيكَ، فَأَدِرَّ لنَا الضَّرعَ، وأَنْبِتْ لنَا الزَّرعَ، واسْقِنَا مِنْ بَركَاتِ السَّماءِ، وأخرِجْ لنَا مِن بَرَكاتِ الأَرضِ يَا أرحمَ الرَّاحمينَ.



    اللَّهُمَّ إنا نَستغفِرُكَ استغْفارًا فأَرسِلِ السَّماءَ عَلَينا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ إنَّا نَستغفِرُكَ استِغْفَارًا فأرْسِلِ السَّماءَ علَينا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ إنَّا نَستغفِرُكَ استِغْفَارًا فأرسِلِ السَّماءَ علَينا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ اجعَلْ لنَا سَحَابًا كثِيفًا قَصِيفًا ذَلُوقًا ضَحُوكًا تمطِرُنَا بِهِ رذَاذًا قَطْقَطًا سَجْلاً يا ذَا الجَلالِ والإِكرَامِ.



    اللَّهُمَّ أَغِثْ عبَادَكَ، واسْقِ بهائِمَكَ، وأحْيِ بلدَكَ الميتَ، يَا حيُّ يا قيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ والإكرَامِ.



    اللَّهُمَّ انْشُرْ فينَا رَحمتَكَ، وأدِمْ عَلَينا نِعمَتَكَ، ووفِّقْنا لشُكرِهَا ولا تجعلْنَا مِنَ الكَافِرينَ يَا اللهُ يا ذَا الجَلالِ والإكرَامِ.



    اللَّهُمَّ إنا نعوذُ بكَ مِن الرِّياءِ، ونعوذُ بكَ مِنَ العُجْبِ، ونعوذُ بكَ مِنَ الكِبْرِ، ونعوذُ بكَ مِنَ الحَسَدِ، ونعُوذُ بِكَ مِنَ الأَشَرِ، ونعُوذُ بكَ منَ البَطَرِ، ونعوذُ بِكَ مِنْ جميعِ الخطَايَا ظَاهِرِهَا وبَاطِنِهَا.



    اللَّهُمَّ بَاعِدْ بينَنَا وبَينَ خَطَايَانَا كمَا بَاعدْتَ بَينَ المشْرِقِ والمغْرِبِ ثلاث مرات.



    اللَّهُمَّ اجعَلْ في قُلُوبِنَا نُورًا، وفي أبْصَارِنَا نُورًا، وفي أسماعِنَا نُورًا، ومِنْ فَوقِنَا نُورًا، ومِنْ تحتِنَا نُورًا، ومِنْ أمَامِنَا نُورًا، ومِنْ خَلفِنَا نُورًا، وعَنْ أَيمانِنَا نُورًا، وعَنْ شمائِلِنَا نُورًا، وأَعْظِمْ لنَا نُورًا، يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ.



    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.



    رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.



    رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.



    رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ، رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ.



    رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.



    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.



    رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً.



    رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ.



    اللَّهُمَّ هذَا الدُّعَاءُ ومِنْكَ الإِجَابَةُ وهَذَا الجَهْدُ وعَلَيْكَ التُّكْلانُ، سُبَحَانَكَ لا نحصِي ثنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كمَا أَثْنَيتَ عَلَى نَفْسِكَ، نَسْتَغْفِرُكَ ونَتُوبُ إِلَيكَ، ونُعَوِّلُ في إِجَابَةِ دُعَائِنَا عَلَيْكَ، يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ.



    ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلا بِكَ، وصَلِّ اللَّهُمَّ وسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ ورَسُولِكَ سَيِّدِنَا محمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجمعِينَ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. اهـ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  16. #46
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي


    الباب السادس: في الأفعال الخارجة عن الصيام (المباح)
    (المُبَاحَاتُ، المكْرُوهَاتُ، المُفْسِدَاتُ)


    قَالَ تَعَالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّه ُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } البقرة: 187


    القِسْمُ الأَوَّلُ/ في مُبَاحَاتِ الصِّيَامِ:

    لَقَدْ عَلِمْتَ -أَخِي المُتَعَلِّمَ، جمَّلَّكَ اللهُ بالعِلْمِ والإِيمَانِ- أَنَّ الصِّيَامَ في شَرِيعَةِ الموْلى سبحانه وتعالى هُوَ إِمْسَاكٌ مخْصُوصٌ وَلَيْسَ إِمْسَاكًا مُطْلَقًا، وعَلَى ذَلِكَ فَالأَصْلُ في الأَشْيَاءِ الإِبَاحَةُ، فيُبَاحُ للصَّائِمِ في نهَارِ صِيَامِهِ كَثِيرٌ مِنَ الأُمُورِ، لا تَثْرِيبَ عَلَيهِ في اسْتِحْلالها والإِتْيَانِ بهَا، ومِنْ ذَلِكَ:

    أ- الاسْتِحْمَامُ والاغْتِسَالُ: وهُوَ جَائِزٌ للصَّائِمِ بِالإِجمَاعِ، وعَلَى الصَّائمِ الحَذَرُ مِنْ دُخُولِ المَاءِ إِلى الجَوفِ أَثْنَاءَ الاغْتِسَالِ.

    ب- الاكْتِحَالُ والتَّطَيُّبُ والتَّعَطُّرُ: وشَمُّ الرَّوَائِحِ النَّفَّاذَةِ كالبُخُورِ والعُطُورِ إِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهَا هِيَ الَّتي تَصِلُ مِنْ غَيْرِ أنْ يَلِجَ شَيْءٌ مِنْ دُخَانِهَا وجُسَيمَاتِهَا إِلى الجَوفِ.

    ج- بَلْعُ الرِّيقِ: يُبَاحُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ مَا لم يَتَجَمَّعْ في الفَمِ أوْ يخْتَلِطْ بِغَيرِهِ أو يُخْرِجْهُ صَاحِبُهُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثمَّ أَدْخَلَهُ فَهُوَ مُفَطِّرٌ قَوْلاً وَاحِدًا.

    د- تَذَوُّقُ الطَّعَامِ: ثمَّ لَفْظُهُ مِنْ غَيرِ إِسَاغَةٍ لَهُ إِلى الجَوْفِ؛ لأَجْلِ التَّأَكُّدِ مِنْ طَعْمِهِ، ومَعْرِفَةِ حُسْنِهِ مِنْ قُبْحِهِ.

    ه- مَضْغُ الطَّعَامِ: لأَجْلِ تَيسِيرِ أَكْلِهِ للطِّفْلِ مِنْ غَيرِ إِسَاغَةٍ لَهُ إِلى الجَوفِ.

    و- قَلعُ الأسْنَانِ، والتَّبرُّعُ بِالدَّمِ وفَحْصُهُ: وخُرُوجُ الدَّمِ عُمُومًا مَا لم يَكُنْ حَيضًا أو نِفَاسًا لا يَنقُضُ الصِّيَامَ؛ قِيَاسًا عَلَى الحِجَامَةِ لِثُبُوتِ فِعْلِهَا عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، يَقُول سماحَةُ المفْتي -عَافَاهُ اللهُ-: " القَولُ الذِي نَأخُذُ بِهِ ونَعْتَدُّ بِهِ أنَّ إِخْرَاجَ الدَّمِ لا يُؤَدِّي إِلى إِبْطَالِ الصِّيَامِ, هَذَا قَولُ جُمْهُورِ الأُمَّةِ وعَلَيهِ المعَوَّلُ عِندَنَا".

    ز- التَّخْدِيرُ: سَواءً كَانَ كُلِّيًّا أو مَوضِعِيًّا، مَا لم تَكُنْ وَسِيلَةُ التَّخْدِيرِ مُفَطِّرةً -كمَا سَيَأْتي إِنْ شَاءَ اللهُ-

    ح- اسْتِعْمَالُ المرَاهِمِ وَالأَدْوِيَةِ الخَارِجِيَّةِ: الَّتي تُوضَعُ عَلَى الجِلْدِ ولا تُفْضِي إِلى الجَوفِ

    ط- قَصُّ الأظَافِر وإِلقَاءُ التَّفَثِ: مِنَ الموَاضِعِ المُعْتَادَةِ كَالعَانَةِ والإِبْطَينِ، وكَذَا جَزُّ الشَّارِبِ وحَلْقُ الرَّأْسِ؛ فَالصَّائِمُ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ حَتى يُمْنَعَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ.

    ي- تَقْبِيلُ الزَّوجَةِ: لِمَنْ كَانَ ضَابِطًا لغَرِيزَتِهِ ومَالِكًا لإِرْبِهِ عَلَى رَأيِ الجُمْهُورِ وهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ؛ لحَدِيثِ عَائِشَةَ حِينَمَا ذَكَرَتْ تَقْبِيلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لنِسَائِهِ وهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ: "وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ".

    {لَطِيْفَةٌ}: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: "هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ، قُلْتُ: لا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: فَمَهْ"، أي فَكَمَا أَنَّ المضْمَضَةَ الَّتي هِيَ مُقدِّمةُ الشُّرْبِ لا تَنقُضُ الصِّيَامَ فَكَذَلِكَ التَّقْبِيلُ الذِي هُوَ مُقدِّمَةٌ لِلْجِمَاعِ لا يَنقُضُ الصِّيَامَ.

    وجَاءَ شَابٌّ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: لا، فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ: أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ عَلِمْتُ لِمَ نَظَرَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ إِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ".

     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  17. #47
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَتَاوَى مُخْتَارةٌ

    - السُّؤَالُ الأَوَّلُ/ السِّباحَةُ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ بحيْثُ يَظَلُّ الرَّجُلُ في الماءِ، هَلْ يُؤثِّر ذَلِكَ عَلَى صِيَامِهِ؟

    الجَوَابُ/ إِنْ كَانَ لا يَصِلُ الماءُ إِلى جَوْفِهِ مِنَ المنَافِذِ بحَيْثُ يُمْنَعُ وصُولُهُ بِسَبَبِ سَدِّهِ لأَنْفِهِ وإِغْلاقِهِ لِفِيْهِ وتَغْمِيضِهِ لِعَينَيهِ فَلا يَصِلُ المَاءُ إِلى الجَوفِ فَلا يَنتَقِضُ الصِّيَامُ بِذَلِكَ، واللهُ أَعْلَمُ.

    - السُّؤَالُ الثَّاني/ هَلْ يَصِحُّ حَلْقُ الشَّعْرِ وتَقْلِيمُ الأَظَافِرِ في نَهَارِ رَمَضَانَ؟

    الجَوَابُ/ الصَّومُ لَيْسَ بِإِحْرَامٍ، إِنَّمَا الـمُحْرِمُ يُمنَعَ مِنْ أَخْذِ تَفَثِهِ، أمَّا الصَّائِمُ فَلا يُمْنَعُ مِنْ أَخْذِ تَفَثِهِ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ، ولَهُ أَنْ يُقلِّمَ أَظَافِرَهُ وَلَهُ -أيضًا- أَنْ يَفعَلَ أَيَّ شَيءٍ مِمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ في الـمُعْتَادِ، إنَّمَا يُمْنَعُ مِنَ الـمُفطِّرَاتِ، وهَذِهِ لَيْسَتْ مِنَ الـمُفطِّرَاتِ، واللهُ أَعْلَمُ.

    - السُّؤَالُ الثَّالِثُ/ مَا حُكْمُ البُخُورِ في نَهَارِ رَمَضَانَ؟

    الجَوَابُ/ البُخُورُ في نَهَارِ رَمَضَانَ إِنْ كَانَ لا يَلِجُ إِلى الـخَيَاشِيمِ والفَمِ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ غَيْرُ نَاقِضٍ، أَيْ إِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ تَصِلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلِجَ شَيْءٌ مِنْ دُخَانِهِ إِلى الـخَيَاشِيمِ والفَمِ فَهُوَ غَيْرُ نَاقِضٍ، أَمَّا إِنْ وَصَلَ شَيْءٌ إِلى الـخَيَاشِيمِ وإِلى الفَمِ وَوَلَجَ إِلى الجَوْفِ فحُكْمُهُ حُكْمُ التَّدْخِينِ مِنْ حَيْثُ نَقْضُهُ لِلصِّيامِ، لأَنَّ الصِّيَامَ يَنتَقِضُ بِكُلِّ مَا يَصِلُ إلى الجَوْفِ، واللهُ أعْلَمُ.

     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  18. #48
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    القِسْمُ الثَّانِي/ في مَكْرُوهَاتِ الصِّيَامِ:

    لَقَدْ فَقِهْتَ -أيُّهَا الأَخُ العَزِيزُ، لا أَرَاكَ مَوْلاكَ مَكْرُوهًا- أَنَّ المكْرُوهَ مِنَ الأَعْمَالِ في الشَّرْعِ هُوَ مَا طُلِبَ مِنَ المكَلَّفِ تَرْكُهُ طَلَبًا غَيرَ مُلْزِمٍ، بحيْثُ يُثَابُ تَارِكُهُ وَلا يُعَاقَبُ فَاعِلُهُ.

    ومَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ هِيَ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الصِّيَامِ ومخَالِفَةٌ لِسُنَنِهِ وآدَابِهِ المرْغُوبَةِ والمُسْتَحَبَّةِ، وقَدْ تُؤدِّي إِلى إِضْعَافِ الصَّائمِ نهَارَ صَومِهِ عَنْ ألْوَانِ العِبَادَةِ وصُنُوفِ الذِّكْرِ، فيَنْبَغِي تَرْكُهَا لِنَيْلِ الثَّوَابِ، وعَدَمُ فِعْلِهَا وإِنْ لمْ يَكُنْ عَلَى فَاعِلِهَا عِقَابٌ، فمِنْ مكْرُوهَاتِ الصِّيَامِ:

    أ- التَّقْبِيْلُ والمُدَاعَبَةُ: في حَقِّ مَنْ خَافَ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ تَفْرُطَ عَلَيهِ أوْ أَنْ تَطْغَى فتَدْعُوهُ نَفْسُهُ إِلى الوِقَاعِ أوْ لا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تحبِّبَهُ إِلَيهِ فيُمْنِيَ أو يُمْذِيَ؛ ومَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى أَوْشَكَ أنْ يَرْتَعَ فِيْهِ.

    ب- الحِجَامَةُ:لِمَنْ كَانَتْ تُضْعِفُهُ فَلا يَقْوَى عَلَى طَاعَةٍ وَلا يَنْشَطُ لِذِكْرٍ بَعْدَهَا.

    ج- المبَالَغَةُ في المَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ: خَشْيَةَ أَنْ يَلِجَ شَيءٌ مِنَ المَاءِ إِلى الجَوْفِ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ِللَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ: "إذَا اسْتَنْشَقْتَ فَأَبْلِغْ إِلا أنْ تكُونَ صَائِمًا"،واللهُ تَعَالى أَعْلَمُ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  19. #49
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    القِسْمُ الثَّالث/ في مُفْسِدَاتِ الصِّيَامِ:

    لَقَدْ عَلِمْتَ -أَخِي، أيُّهَا العَبْدُ المتَّقِي، سَلَّمَكَ اللهُ- أَنَّ الصِّيامَ مِنَ فَرَائِضِ الإِسْلامِ، وقَدَ بَلَّغَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ربِّهِ قَائِلاً: " إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ رَحمةً مِنْهُ لَكُمْ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا".

    وبَعْدَ ذَا فَإِنَّكَ تُدْرِكُ -أَخِي، المتَّبِعَ لأَحْسَنِ القَولِ- أَنَّ للصَّومِ جمْلَةَ مُفطِّرَاتٍ تَعُودُ عَلَى أَصْلِهِ بالفَسَادِ والبُطْلانِ، وتُرتِّبُ عَلَيهِ بَعْضَ الأَحْكَامِ -كمَا سَيَأْتي لاحِقًا بِإِذْنِ الملِيكِ العَلاَّمِ-.

    ومِنْ هَذِهِ المُفطِّرَاتِ مَا هُو مجمَعٌ عَلَيهِ ومِنْهَا مَا هُوَ مخْتَلَفٌ فِيْهِ، وقَدْ لخَّصَ أَهْلُ العِلْمِ -بَاركَ اللهُ فِيهِمْ- مُفَطِّرَاتِ الصِّيَامِ الَّتي يجِبُ الإِمْسَاكُ عَنْهَا شَرْعًا في أَرْبَعِ قَوَاعِدَ، فهَاك البَيَانَ بإِيضَاحٍ وإِجمَال:


    القَاعِدَةُ الأُولى/ إِدْخَالُ دَاخِلٍ:

    ويُرَادُ بهَا كُلُّ مَا يُدْخِلُهُ الإِنْسَانُ مُتَعَمِّدًا إِلى جَوفِهِ، سَوَاءً:

    أ- كَانَ مَطْعُومًا كَالأُرْزِ والتَّمْرِ والماءِ والعَصِيرِ، أوْ غَيرَ مَطْعُومٍ كمَنْ تَعَمَّدَ أنْ يُولجَ إِلى جَوفِهِ تُرَابًا أوْ طِينًا أوْ حَصًى أوْ جِلْدًا أوْ ظُفْرًا أوْ وَرَقًا أوْ زِئْبَقًا.. عَلَى المُعْتمَد عِنْدَ شَيخَيْنَا الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حَفِظَهُمُ اللهُ- وِفَاقًا لِقَولِ الجُمْهُورِ مِنَ العُلَمَاءِ.

    يقُولُ سماحَةُ المفْتي -حَفِظَهُ رَبي- : " نَحْنَ نَرَى بِأنَّ الـمَطْعُومَ وغَيرَهُ سَواءٌ، ولَوْ قُلْنَا بجَوَازِ تَنَاوُلِ غَيرِ الـمَطْعُومِ لَرُبَّمَا يُتَذَرَّعُ بِهَذَا إِلى اسْتِبَاحَةِ التَّدْخِينِ لِلصَّائِمِ، واسْتِبَاحَةِ إِدْخَالِ أَشْيَاءَ في الجَوفِ مُؤثِّرَةٍ للصَّائِمِ، ولَكِنَّ هَذَا البَابَ يُغلَقُ، هَذَا القَولُ يُعَدُّ شَاذًّا ولا يُؤخَذُ بِهِ"[24]، ويقُولُ العَلاَّمَةُ القَنُّوبيُّ: "ومَذْهَبُ الجُمْهُورِ في هَذِهِ المَسْأَلَةِ هُوَ المذْهَبُ الرَّاجِحُ"، ويقُولُ أيضًا: "طَبعًا الصَّحِيحُ أنَّ عَلَيهِ البَدَلَ، وسمِعْتُ الشَّيخَ [أيْ الخَلِيْلِيَّ] -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى- يَقُولُ: كَانَ الشَّيخُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ يُعْجِبُهُ هَذَا الكَلامُ" .

    ب- كَانَ عَنْ طَرِيقِ الفَمِ أو غَيرِ الفَمِ ممَّا يُوصِلُ إِلى الجَوفِ، ومِنْ أَمْثِلَةِ المنَافِذِ المُوصِلَةِ إِلى الجَوفِ:

    - العَينُ: تُعَدُّ العَينُ إِحْدَى المنَافِذِ المُوصِلَةِ إِلى الجَوفِ بِلا خِلافٍ، فَإِنْ وَضَعَ الشَّخْصُ قَطْرَةً مِنْ دَوَاءٍ أو نحْوِهَا في عَينِهِ وَلم يُحِسَّ بهَا فَلا نَقْضَ عَلَيهِ في صَومِهِ بِإِذْنِ اللهِ؛ لأَنَّ لِلعَينِ شُؤُونًا تمتَصُّ الشَّيْءَ اليَسِيرَ، أمَّا إِنْ أَحَسَّ بِطَعْمِهَا في حَلْقِهِ فَالأَحْوَطُ في حَقِّهِ إِعَادَةُ يَومِهِ.

    - الأَنْفُ: واتِّصَالُهَا بِالجَوفِ أَقْوَى مِنَ العَينِ؛ لأَنَّ فَتْحَتَهَا أَوْسَعُ مِنْ فَتْحَتِهَا، وَلِذَا يَسْتَعْمِلُهَا الأَطِّبَاءُ كَثِيرًا لإِدْخَالِ أُنْبُوبِ تَغْذِيَةِ المرْضَى، فَاحْتِمَالُ التَّفْطِيرِ بهَا أَكْبرُ لا سِيَّمَا إِنْ أَحَسَّ المرِيضُ بِطَعْمِ الدَّوَاءِ في الحَلْقِ إِنْ كَانَ سَائِلاً. أمَّا غَازُ الأُكْسُجِينِ فَلا يَنْقُضُ الصِّيَامَ إِطْلاقًا.

    - الأُذُنُ: إِنْ كَانَتْ خَرْقَاءَ؛ لأَنَّ غِشَاءَ الطَّبْلَةِ في الأُذُنِ السَّلِيمَةِ يمنَعُ دُخُولَ أَيِّ سَائِلٍ إِلى الجَوْفِ؛ وَلِذَا فَلا نَقْضَ في قَطْرَةِ الأُذُنِ.

    - فَتْحَةُ الشَّرْجِ: لأنَّ اتِّصَالَ الدُّبُرِ بِالجَوْفِ قَوِيٌ، فتَنْقُضُ التَّحَامِيْلُ وإِبْرَةُ الدُّبُرِ بخِلافِ القُبُلِ الذِيْ يَكَادُ يَكُونُ اتِّصَالُهُ بِالجَوفِ مُنْعَدِمًا.

    }تَلْخِيْصٌ}: يقُولُ العَلاَّمَةُ أَبُو محَمَّدٍ السَّالميُّ -رَحْمَةُ اللهِ الوَاسِعَةُ عَلَيهِ- في مَعَارِجِهِ: "فالمُعْتمَدُ القَوْلُ بالنَّقْضِ ِفيمَا دخَلَ مِنَ الأَنْفِ؛ لأَنَّه ُ سَبِيلٌ إِلى الجَوفِ كَالفَمِ، وسَائِرُ الأبْوَابِ أَهْوَنُ مِنْهُ، وَقَدْ وَقَعَ الخِلافُ في الكُلِّ، ويَدْخُلُ في ذَلِكَ الحُقْنَةُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُختَلَفُ في النَّقضِ بهَا أيْضًا، والمُعْتمَدُ النَّقْضُ في حُقنَةِ الدُّبُرِ دُونَ القُبُلِ"، ويقُولُ -رَحمَهُ اللهُ تَعَالى- في مَدَارجِهِ:


    ودَاخِلٌ في الأَنْفِ، وَالأَنْفُ أشَدْ *** فَالنَّقْضُ بِالدَّاخِلِ مِنْهُ مُعْتمَدْ


    وبالجُمْلَةِ فمَنِ اضْطُرَّ إِلى اسْتِعْمَالِ مَا تقَدَّمَ مما يمكِنُ أَنْ يَلِجَ إِلى الجَوفِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ ليْلاً فَبِهَا ونِعْمَتْ، وإِنْ تَعَذَّرَ إِلا في النَّهَارِ فَإِنْ تَيَقَّنَ وصُولَهُ إِلى الجَوفِ أَفْطَرَ وعُذِرَ لمرَضِهِ ووَجَبَ عَلَيهِ القَضَاءُ لاحِقًا.

    وإنْ لم يَتَيَقَّنْ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُتِمَّ صِيَامَ يَومِهِ ويَقْضِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَهُ القَضَاءُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ المُفَطِّرِ، وإِنْ لمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ فَلْيَصُمْ ولْيُطْعِمْ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينًا، وهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَابِ الاحْتِيَاطِ والخُروجِ مِنَ الشَّكِّ بِاليَقِينِ لاشْتِبَاهِ الأُمُورِ هَاهُنا، وإِلا فَفِي المسْأَلَةِ تَرخِيْصٌ..

    }تَرْخِيْصٌ}: اِعْلمْ -أيُّهَا الطَّالِبُ، رُزِقْتَ أَسْنى المَطَالِبِ- أنَّ بَعْضَ البَاحِثينَ المعَاصِرِينَ قَدِ اسْتَثنى ورَخَّصَ مِنَ التَّفْطِيرِ في هَذِهِ القَاعِدَةِ مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ إِلى الجَوفِ قَلِيْلاً، وذَلِكَ بِشَرْطَينِ اثْنَينِ:

    الأوَّلُ/ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مما تَدْعُو إِلَيهِ الحَاجَةُ والضَّرُورَةُ كاسْتِعْمَالِ المرِيضِ لقَطْرَةِ العِلاجِ مَثَلاً.

    الثَّاني/ أنْ يَكُونَ الدَّاخِلُ قَلِيْلاً جِدًّا بحَيْثُ لا يَتَجَاوَزُ مِقْدَارَ مَا يَدْخُلُ إِلى الجَوفِ مِنْ بقَايَا الماءِ أَثْنَاءَ المَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ، فَهَذَا القَدْرُ اليَسِيرُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ومُغْتَفَرٌ شَرْعًا، واللهُ أعْلَمُ
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  20. #50
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    وَمِنْ مُفطِّرَاتِ الصِّيامِ المعَاصِرَة أَيضًا:

    - بخَّاخُ الرَّبْوِ: -وهُوَ مُوَسِّعُ الشُّعَبِ الهَوَائِيَّةِ- يُقَالُ فِيْهِ مَا يُقَالُ في قَطْرَةِ العَينِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ.

    - غَسِيْلُ الكُلَى: بجَمِيْعِ أَنْوَاعِهِ يُعَدُّ مِنَ المُفَطِّرَاتِ فَعَلَى صَاحِبِهِ قَضَاءُ اليَومِ الذِي غَسَلَ فِيهِ كُلاهُ في اليَومِ الذِي لا يَقُومُ فِيهِ بِالغُسْلِ، عَافَانَا اللهُ وجمِيعَ المُسْلِمِينَ.

    - نَقْلُ الدَّمِ لِلْجِسْمِ: كإِعْطَاءِ الجَرِيْحِ وصَاحِبِ فَقْرِ الدَّمِ دَمًا تَبرَّعَ بِهِ غَيرُهُ، وَلا شَكَّ في تَفْطِيرِهِ نَظَرًا لِوُصُولِ مَادَّةٍ وبِكَمِّيَّاتٍ كَبِيرَةٍ -غَالبًا- إِلى جَوْفِ المنْقُولِ إِلَيهِ بَلْ إِلى جمِيعِ حَنَايَا جَسَدِهِ..

    - السَّقَّايَةُ: وهِيَ كِيْسٌ يحتَوِى عَلَى مَادَّةٍ غِذَائِيَّةٍ سَائِلَةٍ يَتَنَاوَلها المرِيْضُ عَنْ طَرِيقِ أُنْبُوبٍ يَصِلُهَا بجِسْمِهِ، وهِيَ نَاقِضَةٌ للصِّيَامِ وَلا شَكَّ؛ لأَنَّ المرِيْضَ يَتَغَذَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ يَكْتَفِي بهَا دَهْرًا طَوِيْلاً مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ إِلى تَغْذِيَةٍ بالفَمِ، والحَمْدُ للهِ مُيَسِّرِ السُّبُلِ.

    - الحُقْنَةُ: تَقَدَّمَ الحَدِيْثُ في إِبْرَةِ العِلاجِ الَّتي تُسْتَعْمَلُ في الدُّبُرِ وأَنَّهَا مُفَطِّرَةٌ لِقُوَّةِ اتِّصَالِ الدُّبُرِ بِالجَوفِ، أمَّا مَا عَدَاهَا مِنَ الحُقَنِ فلأَهْلِ العِلْمِ فِيهَا مَذَاهِبُ واعْتِبَارَاتٌ، فَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَبرَ الفَرْقَ بَينَ إِبْرَةِ الغِذَاءِ وإِبْرَةِ العِلاجِ والدَّوَاءِ، فَقَالَ بِالتَّفْطِيرِ في الأُوْلى وبِعَدَمِهِ في الثَّانِيَةِ، وبِهِ أَفْتى شَيْخُنَا الخَلِيْلِيُّ -حَفِظَهُ اللهُ-.

    ومِنْهُمْ مَنِ اعْتَبرَ وُلُوجَهَا لِمُطْلَقِ الجَوْفِ والدَّمِ؛ فقَالَ بالتَّفْطِيرِ في الجَمِيعِ ولمْ يَعْتَبرِ التَّفْرِقَةَ بَينَ المُغَذِّي وغَيرِ المُغَذِّي ولا بَينَ العَضَلِيِّ والوَرِيدِيِّ، وهُوَ آخِرُ قَولَيْ شَيخِنَا القنُّوبيِّ -حفِظَهُ اللهُ- .


    فكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّيخَينِ *** جَاءَ بِوَجْهٍ وَهْوَ ذُو وجْهَينِ


    وعَلَى كُلِّ حَالٍ فالخِلافُ في الفُرُوعِ أَوْسَعُ مِنَ الدَّهْمَاءِ عَلَى رَاعِي الإِبِلِ، يَقُولُ شَيخُنَا الخَلِيلِيُّ خَاتِمًا الكَلامَ في هَذِهِ المسْأَلَةِ: "..واخْتِلافُ الفُقَهَاءِ فيهِ مُتَّسَعٌ لِلنَّاسِ، وَلا يُضَيّقُ عَلَى النَّاسِ وَاسِعٌ"، والحَمْدُ للهِ.

     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  21. #51
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي




    القَاعِدَةُ الثَّانيَةُ/ إِخْرَاجُ خَارِجٍ:

    ويُرَادُ بهَا تَعَمُّدُ إِخْرَاجِ المُفَطِّرِ مِنَ الجِسْمِ، وذَلِكَ يَتَمَثَّلُ في:

    أ- القَيْءِ والقَلَسِ: والفَرْقُ بَينَهُمَا أَنَّ القَيْءَ هُوَ: كُلُّ مَا خَرَجَ مِنَ الجَوفِ مِنْ طَعَامٍ أو شَرَابٍ مُجَاوِزًا الفَمَ حَتى يَمْلأَهُ، والقَلسُ هُوَ: مَا خَرَجَ مِنَ الجَوفِ ووَصَلَ الفَمَ وَلكِنَّهُ لمْ يُجَاوِزْهُ لِقِلَّتِهِ.

    وهمَا نَاقِضَانِ للصِّيَامِ إذَا تَعَمَّدَ الصَّائِمُ إخْرَاجَهُمَا بِأَيِّ وَسِيْلَةٍ كَانَتْ، كَأَنْ يُحِسَّ بِشَيءٍ مِنَ الغَثَيَانِ فيُدْخِلَ إصْبَعَهُ في فَمِهِ أو يُسِيغَ مَا يَدْعُوهُ للتَّقيُّؤ، أمَّا مَن ذَرَعَهُ القَيءُ -كالمرِيضِ والمرْأَةِ الحَامِلِ- ولم يَرجِعْ شَيْئًا مِنَ القَيءِ إِلى جَوْفِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى إبَانَتِهِ فَلا قَضَاءَ عَلَيهِ.

    ب- الاسْتِمْنَاءِ: أي اسْتِدْعَاءُ خُرُوجِ المنيِ عَنْ طَرِيقِ العَبَثِ أو التَّشَهِّي والتَّفَكُّرِ، ويُسَمَّى "العَادَةَ السِّريَّةَ" وَهُوَ غَيرُ جَائِزٍ بحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، ونَاقِضٌ للصِّيَامِ لمَنِ اقْتَرَفَهُ نهَارَ صَومِهِ بَلْ هُوَ مُوجِبٌ للقَضَاءِ ولِلْكَفَّارَةِ المُغَلَّظَةِ، واللهُ يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ إذَا آبَ وأنَابَ..

    {مَسْأَلَةٌ}: مَنْ نَامَ في نهَارِ الصِّيَامِ فاحْتَلَمَ في نَومِهِ فَعَلَيهِ المُبَادَرَةُ بِالاغْتِسَالِ فَوْرَ مَا يَنْتَبِهُ، ولَيْسَ عَلَيهِ قَضَاءٌ ولا تَكْفِيرٌ، والحَمْدُ للهِ.


    القَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ/ الجِمَاعُ:

    وَهُوَ نَاقِضٌ للصِّيَامِ بِالإِجمَاعِ؛ لمفْهُومِ قَولِهِ تَعَالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } البقرة: 187، وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ الرَّجُلِ الذِي جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً..إلخ".

    والحَدُّ النَّاقِضُ للصِّيامِ والموْجِبُ للْكَفَّارَةِ المغَلَّظَةِ مِنَ الجِمَاعِ هُوَ غِيَابُ الحَشَفَةِ -أو مِقْدَارِهَا إِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً- في الفَرْجِ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ في حَلالٍ أو حَرَامٍ، في إِنْسَانٍ أو حَيَوَانٍ، مَعَاذَ اللهِ.

    {فَائِدَةٌ}: وبِذَا تُدْرِكُ -أيُّهَا الفَطِنُ اللَّبِيْبُ- أَنَّهُ لا يَنقُضُ الصِّيَامَ فِيمَا بَينَ الزَّوجَينِ إلا الجِمَاعُ أوِ الاسْتِمْنَاءُ عَلَى الرَّاجِحِ، أمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ المُقَدِّمَاتِ فَلا تَنْقُضُ الصِّيَامَ مِنْ حَيْثُ الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كمَا نَصَّ عَلَيهِ الشَّيْخَانِ -حَفِظَهُمَا اللهُ- وإِنْ كَانَ الحَذِرُ الفَطِنُ لا يحُومُ حَوْلَ الحِمى، يقُولُ سماحَةُ المفْتي -يَحْفَظُهُ اللهُ-: " أمَّا الـمَذْيُ فالرَّاجِحُ أنَّهُ غيْحغغرُ نَاقِضٍ لِلصَّوْم"،واللهُ أَعْلَمُ
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  22. #52
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    .


    القَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ/ كَبَائِرُ المعَاصِيْ:

    اِعْلَمْ -أيُّهَا العَبْدُ الأَوَّابُ، أَرْشَدَكَ اللهُ لِلْعِلْمِ وَالعَمَلِ بِدَلائِلِ السُّنَّةِ والكِتَابِ- أَنَّ كَلِمَةَ النَّاسِ قَدِ اخْتَلَفَتْ كَثِيرًا في مَسْأَلَةِ نَقْضِ الصِّيَامِ بِالمعَاصِي، وقَدْ ضَاعَ الحَقُّ فِيْهَا بَينَ الإِفْرَاطِ والتَّفْرِيطِ فَكَانَ كِلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيْمًا..

    هَذَا بَعْدَ إِجمَاعِهِمْ عَلَى نَقْضِ الصِّيَامِ بالظُّلْمِ العَظِيمِ الذِي هُوَ الشِّركُ، فمِنْ قَائِلٍ بِأَنَّ المعَاصِيَ صَغِيرَهَا وكَبِيرَهَا نَاقِضَةٌ لِلصِّيَامِ محْبِطَةٌ للأَعْمَالِ، ومِنْ قَائِلٍ آخَرَ بِأَنَّ المعَاصِيَ صَغِيرَهَا وكَبِيرَهَا لا دَخْلَ لهَا في الصِّيَامِ صِحَّةً وفَسَادًا..

    والمُعْتمَدُ في هَذِهِ المسْأَلَةِ مَا أَخَذَ بِدَلائِلِ الكِتَابِ والسُّنةِ، وهُوَ القَولُ بِأَنَّ كَبَائِرَ المعَاصِي نَاقِضَةٌ لِلصِّيَامِ دُونَ صَغَائِرِهَا، أمَّا عَدَمُ نَقْضِ الصَّغَائِرِ فَلأدِلَّةٍ، مِنْهَا:

    أ- قَولُهُ تَعَالى: } إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً } النساء: 31.

    ب- قَولُهُ تَعَالى: } الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ } النجم: 32، واللَّمَمُ هِيَ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ، فَدَلَّ مجمُوعُ هَاتَينِ الآيَتَينِ عَلَى أَنَّ صَغَائِرَ الذُّنُوبِ مُغْتَفَرَةٌ ومَعْفُوٌّ عَنْهَا مَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ ولمْ يُصِرَّ عَلَيهَا صَاحِبُهَا.

    أمَّا تَأْثِيرُ الكَبَائِرِ في صِحَّةِ الصِّيَامِ وقَبُولِهِ عِنْدَ اللهِ فَلأدِلَّةٍ أُخْرَى، مِنْهَا:

    أ- مُنَاقَضَتُهَا للتَّقْوَى الَّتي هِيَ غَايَةُ الصِّيَامِ } لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة: 183، ومَنَاطُ قَبُولِهِ } إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } المائدة: 27، فَمَنْ قَارَفَ الكَبَائِرَ في صِيَامِهِ لا يمكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مُتَّقٍ بَلْ إِنَّهُ لا شَكَّ عَبْدٌ عَاصِي.

    ب- النَّصُّ عَلَى كَبِيرَةِ الغِيبَةِ، والقِيَاسُ لسَائِرِ الكَبَائِرِ عَلَيهَا في قَوْلِ المُبلِّغِ صلى الله عليه وسلم: "الغِيْبَةُ تُفَطِّرُ الصَّائِمَ وتَنْقُضُ الوُضُوءَ"، فَقَدْ قِيسَ عَلَى الغِيبَةِ جمِيعُ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ كَالنَّظَرِ المُحَرَّمِ مُبَاشَرَةً أو بِوَاسِطَةٍ كالنَّظَرِ لِمَا يُعرَضُ مِنَ العَوْرَاتِ في الشَّاشَاتِ والمجَلاَّتِ، ومِثْلُهُ الاسْتِمَاعُ المُحرَّمُ كَالاسْتِمَاعِ إِلى الغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ ومَزَامِيرِ الشَّيطَانِ،واللهُ المسْتَعَانُ.

    ج- التَّصْرِيْحُ الصَّحِيحُ في قَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"، وقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ:" وَلا صَومَ إِلاَّ بِالكَفِّ عَنْ محَارِمِ اللهِ".

    فمَنْ لمْ يَدَعْ قَولَ الإِثمِ بجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وأَكْلَ السُّحْتِ بجَمِيعِ أَصْنَافِهِ فَلا يمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ كَفَّ عَنْ محَارِمِ اللهِ بَلْ إِنَّهُ أتَاهَا مِنْ أَوْسَعِ أَبْوَابهَا، في شَهْرٍ تُضَاعَفُ فيهِ السَّيِّئَاتُ كمَا تُضَاعَفُ فِيهِ الحَسَنَاتُ، فَمَا حَالُ لِسَانِ المُشْفِقِ النَّاصِحِ الأَمِينِ إِلا أَنْ يَهْمِسَ لهَذَا المُجْتَرِحِ بِعَقِيرَتِهِ قَائِلاً:


    يَا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ في رَجَبٍ *** حَتى عَصَى رَبَّهُ في شَهْرِ شَعْبَانِ
    لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهمَا *** فَلا تُصَيِّرْهُ أَيْضًا شَهْرَ عِصْيَانِ



    {فَائِدَةٌ}: مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ ارْتِكَابَ مَعْصِيَةٍ ممَّا يَنْقُضُ الصِّيَامَ أوْ مَسَّهُ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَاقْتَرَفَ العِصْيَانَ، لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ في الحَالِ واسْتَغْفَرَ وَلمْ يُصِرَّ عَلَى مَا فَعَلَ فَلا نَقْضَ عَلَيهِ في صِيَامِهِ فَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ.

    {تَنْبِيْهٌ مُهِمٌّ}: يُكْثِرُ بَعْضُ النَّاسِ -هدَانَا اللهُ وإِيَّاهُمْ- مِنَ السُّؤَالِ في شَهْرِ الصِّيَامِ عَنْ جمْلَةٍ مِنَ الأَشْيَاءِ المعْدُودَةِ مِنَ الآثَامِ هَلْ فِعْلُهَا في نهَارِ الصِّيَامِ نَاقِضٌ لَهُ أو لَيْسَ بِنَاقِضٍ؟!!، وهَذَا إِنْ كَانَ مِنْ بَابِ "لِلْعِلْم" أو تَفَقُّهًا في الدِّينِ فَلا حَرَجَ فِيْهِ بَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا.

    أمَّا إِنْ كَانَ لأَجْلِ ارْتِكَابِ المحْظُورِ -كمَا يَقْصِدُ البَعْضُ- فَكَلاَّ وأَلْفُ كَلاَّ؛ لأَنَّ المُسْلِمَ يكُفُّ عَنِ المعْصِيَةِ لأَنَّ اللهَ العَظِيمَ حَرَّمَهَا عَلَيهِ، ولمْ يَكُنِ اللهُ لِيُحَرِّمَ مَعْصِيَةً في النَّهَارِ ويُبِيحَهَا في اللَّيلِ، وَلمْ يَكُنْ ليَحْظُرَ خَبِيثًا في رَمَضَانَ ويُبِيحَهُ في غَيرِ رَمَضَانَ، ورَبُّ اللَّيلِ والنَّهَارِ وَاحِدٌ، كَمَا أَنَّ رَبَّ رَمَضَانَ هُوَ رَبُّ شَعْبَانَ وشَوَّالٍ وَرَبُّ سَائِرِ الشُّهُورِ.

    فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يجْتَنِبُونَ المعَاصِي في نهَارِ الصِّيَامِ فَإِذَا مَا وَلَّى قَالَ: "هَاتِهَا يَا سَاقِيْ"، فَارْتَكَبَ المحْظُورَ وجَاهَرَ بِالفُجُورِ، ولَيْسَ هَذَا دَيْدَنَ المُؤْمِنِ وشَأْنَهُ أَبَدًا؛ لأَنَّ المُؤْمِنَ لا يخَافُ رَمَضَانَ ولا يَعْبُدُ نهَارَهُ، ولَكِنْ يخَافُ اللهَ ويَعْبُدُ اللهَ، واللهُ حَيٌّ لا يموتُ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخِذْلانِ ومِنْ حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ


    فَتَاوَى مُخْتَارةٌ

    - السُّؤَالُ الأَوَّلُ/ هَلْ يجُوزُ الغِنَاءُ في رَمَضَانَ؟

    الجَوَابُ/ الغِنَاءُ في رَمَضَانَ وغَيرِهِ حَرَامٌ؛ لأَنَّهُ رُقْيَةُ الزِّنَا ومِزْمَارُ الشَّيْطَانِ، واللهُ أعْلَمُ

    - السُّؤَالُ الثَّاني/ عَرَفْنَا بِأَنَّ الإِسْبَالَ يُفْسِدُ الصَّلاةَ، فَمَا حُكْمُ صَوْمِ وحَجِّ مَنْ يُسْبِلُ مُتَعَمِّدًا؟

    الجَوَابُ/ أمَّا الصِّيَامُ فَإِنْ كَانَ الصَّائِمُ مُصِرًّا عَلَى الإِسْبَالِ في صِيَامِهِ فَلا رَيْبَ أَنَّ صِيَامَهُ بَاطِلٌ؛ لإِصْرَارِهِ عَلَى كَبِيرَةٍ أثْنَاءَ الصَّومِ، وأَمَّا الحَجُّ فَمَنْ أَسْبَلَ في إِحْرَامِهِ فَعَلَيهِ دَمٌ، واللهُ أَعْلَمُ.

    - السُّؤَالُ الثَّالثُ/ مَاذَا عَلَى مَنْ قَصَّرَ لِحْيَتَهُ نهَارَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟

    الجَوَابُ/ مِنْ بَابِ الاحْتِيَاطِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيْدَ صِيَامَ يَومِهِ، واللهُ أَعْلَمُ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  23. #53
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في مَسَائِلَ وتَنبِيْهَاتٍ مُهِمَّةٍ

    {المَسْأَلَةُ الأُوْلى}: يخرُجُ بِقَيْدِ "إِدْخَالُ" في القَاعِدَةِ الأُولى "إِدْخَالُ دَاخِلٍ" أَمْرَانِ اثْنَانِ:

    أوَّلاً/ مَا لا يمكِنُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ: مِمَّا يَلِجُ إِلى الجَوفِ مِنْ غَيرِ قَصْدٍ، كمَا لَوْ دَخَلَتْ ذُبَابَةٌ في الحَلْقِ، أوْ وَصَلَ إِلى الجَوْفِ غُبَارٌ أو دَقِيْقٌ أو دَمٌ بغَيرِ اخْتِيَارٍ، فَهَذَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ في الشَّرْعِ ولا يَنْقُضُ الصِّيَامَ، عَمَلاً بِالقَاعِدَةِ الفِقْهِيَّةِ " الشَّيْءُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ"، وَصَدَقَ القَائِلُ: } لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا } الطلاق: 7 .

    ثانيًا/ النِّسْيَانُ: فَلا شَيْءَ عَلَى مَنْ نَسِيَ فَأَكَلَ أوْ شَرِبَ عَلَى الصَّحِيحِ الرَّاجِحِ؛ لِدَلالَةِ حَدِيثِ " مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، يقُولُ الشَّيْخُ الخَلِيلِيُّ -رَعَاهُ اللهُ-: " هَذَا هُوَ القَولُ الـمُعَوَّلُ عَلَيْهِ".

    {المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ}: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فيمَنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ نَاسِيًا -مَعَ بُعْدِ هَذَا الأَمْرِ عَادَةً إِلا أَنَّ العَقْلَ لا يُحِيْلُ وقُوعَهُ-، فَقِيْلَ: بِوُجُوبِ قَضَاءِ ذَلِكَ اليَومِ عَلَى الاثْنَينِ، وقِيْلَ: لا؛ قِيَاسًا عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ "..وَهُوَ الصَّوَابُ" كمَا يَقُولُ عَلاَّمَةُ المعْقُولِ والمنْقُولِ عَافَاهُ اللهُ-.

    {المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ}: مَن بَالَغَ في المضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ نهَارَ الصَّومِ عالِمًا بِكَرَاهَةِ هَذَا الفِعْلِ حَتى وَلجَ شَيْءٌ مِنَ الماءِ إِلى جَوفِهِ فَعَلَيهِ أَنْ يُمْسِكَ يَومَه ثمَّ يَقْضِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

    أمَّا مَنْ تمضْمَضَ أوِ اسْتَنْشَقَ مِنْ غَيرِ مُبَالَغَةٍ فَدَخَلَ شَيْءٌ مِنَ المَاءِ إِلى جَوْفِهِ مِنْ غَيرِ عَمْدٍ فَلا تَثْرِيْبَ عَلَيهِ إِطْلاقًا، وقِيْلَ بِشُرُوطٍ ثَلاثَةٍ، وهِيَ: أَنْ يَكُونَ هَذَا في وُضُوءِ فَرِيضَةٍ، وبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، ولمْ يجَاوِزِ المرَّةَ الثَّالِثَةَ.

    ولَكِنْ لا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الاشْتِرَاطِ، فَالأَوَّلُ أَوْلى، والإِطْلاقُ أَسْعَدُ في هَذِهِ القَضِيَّةِ، وللهِ الحَمْدُ وَالمنَّةُ.

    {المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ}: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ في حُكْمِ الحِجَامَةِ في الصِّيَامِ؛ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ في القَضِيَّةِ، وذَلِكَ بمجِيءِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْضِهَا لَهُ كَحَدِيثِ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَمجِيءِ مَا يُعَارِضُهُ، وهُوَ أَنَّ المصْطَفَى صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، والحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، إِلا أَنَّ المُعْتمَدَ في هَذِهِ المسْأَلَةِ عِنْدَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حَفِظَهُمَا اللهُ- هُوَ القَولُ بجَوَازِ الحِجَامَةِ؛ لأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ محْمُولٌ عَلَى النَّسْخِ، واحْتِجَامُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ مُتَأَخِّرًا عَلَى ذَلِكَ النَّهْيِ المُتَقَدِّمِ.

    وعَلَيهِ فيُبَاحُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّبرُّعِ بِالدَّمِ، وفَحْصِهِ، وقَلْعِ الأَسْنَانِ نهَارَ الصِّيَامِ، وإِنْ كَانَ الأَوْلى تَأْخِيرُهُ إِلى لَيلِهِ خُرُوجًا مِنَ الخِلافِ، وخَشْيَةَ ضَعْفِ الصَّائمِ بِهِ، واللهُ أعْلَمُ.

    {المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ}: مَنْ فَسَدَ صَومُهُ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ، بِأَيِّ سَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ المُتَقَدِّمَةِ، فَعَلَيهِ الإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ولا يجُوزُ لَهُ الأَكْلُ والشُّرْبُ ومُوَاصَلةُ الإِفْطَارِ بحُجَّةِ أَنَّ صِيَامَهُ لِذَلِكَ اليَومِ قَدِ انْتَقَضَ وأَنَّهُ سَيَقْضِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ إِنَّهُ إذَا أَكَلَ أو شَرِبَ أو وَاصَلَ إِفْطَارَهُ فهُوَ آثِمٌ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ زِيَادَةً عَلَى إِثْمِهِ السَّابِقِ.

    أمَّا مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ مِنْ سَفَرٍ أوْ مَرَضٍ أوْ غَيرِهِ فَلا حَرَجَ عَلَيهِ إِنْ وَاصَلَ في فِطْرِهِ، ولْيَسْأَلِ اللهَ الرِّضَى في يَوْمِهِ وشَهْرِهِ.

    {المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ}: المعْصِيَةُ تُؤَثِّرُ في الصِّيَامِ إذَا قَارَفَهَا صَاحِبُهَا مُتَعَمِّدًا مَعَ عِلْمِهِ بِكَونها مَعْصِيَةً، أَمَّا مَنْ وَقَعَ فِيْهَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنها مَعْصِيَةٌ -أيْ جَاهِلاً بحُكْمِهَا- فَلا نَقْضَ عَلَيهِ في صِيَامِهِ، وإِنْ كَانَ لا يُعْفَى مِنْ إِثم العِصْيَانِ، ووُجُوبِ طَلَبِ التَّوْبَةِ والغُفْرَانِ؛ فَإِنَّهُ لا شَكَّ عَبْدٌ عَاصِي.

    {المَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ}: الكَفَّارَةُ المُغَلَّظَةُ تجِبُ فيمَا أُجمِعَ عَلَى أنهُ نَاقضٌ للصِّيامِ كالأكلِ والشُّربِ والجِمَاعِ، لا فِيمَا اختُلِفَ فيهِ، ومَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ المعَاصِي فتُدْرَأُ عَنْهَا الكَفَّارةُ لشُبْهَةِ الخِلافِ، وَلكِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ.

    && خُلاصَةٌ

    يَقُولُ الإِمَامُ السَّالِمِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- في مدَارِجِ الكَمَالِ ملخِّصًا


    وكلُّ مَا يَدخُلُ في الجَوفِ عَلَى*** تَعَمُّدٍ يُفْسِدُهُ فَاحْتَفِلا
    وكُلُّ مَا يخرُجُ عَمْدًا كَالمنيْ *** وَالقَيْءِ لا إِنْ خَرَجَا فَلْتَفْطِنِ
    كَذَا جِمَاعٌ و ارْتِدَادٌ بَعْدَمَا *** أَسْلَمَ فَالإِيمَانُ شَرْطٌ حُتِمَا
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  24. #54
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    الفصل السابع في مبيحات الإفطار وموجباته
    قَالَ تَعَالى:{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة: 184

    تعلَّمْ - أَخِي، سَلَّمَكَ اللهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ ومَكْرُوهٍ- أَنَّ اللهَ عز وجل قَدْ شَرَعَ لأَفْرَادِ هَذِهِ الأُمَّةِ المجتَبَاةِ مِنْ أَحْكَامِ اليُسْرِ والسُّهُولَةِ مَا لمْ يَشْرَعْ لِلأُمَمِ السَّابِقَةِ، فَوَضَعَ عَنْهُمْ بِبِعْثَةِ الرَّسُولِ النَّبيِّ الأُمِّيِّ صلى الله عليه وسلم إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتي كَانَتْ عَلَيهِمْ، وإِنَّ مِنْ مَظَاهِرِ هَذَا اليُسْرِ وهَاتِيْكَ السُّهُولَةِ أَنْ أَبَاحَ لِبَعْضِ العَابِدِينَ الإِفْطَارَ في نهَارِ رَمَضَانَ وتَرْكَ فَرِيْضَةِ الصِّيَامِ وُجُوبًا أو إِبَاحَةً أو نَدْبًا.

    وهَا نحْنُ هُنَا نَذْكُرُ هَذِهِ المُبِيْحَاتِ مُقَسَّمَةً حَسَبَ حُكْمِهَا الشَّرْعِيِّ، ومَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ لَوَازِمَ ومُوجِبَاتٍ شَرَعَهَا اللهُ لجَبرِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ ولإِتمَامِ مَا اعْتَرَى تِلْكَ النُّفُوسَ مِنْ حِرْمَانٍ:


    فَصْلٌ فيمَنْ يجِبُ عَلَيهِ الإِفْطَارُ والقَضَاءُ

    يجِبُ الإِفْطَارُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ المُكَلَّفِينَ العَابِدِينَ ويحْرُمُ في حَقِّهِمُ الصِّيَامُ ومَعَ ذَلِكَ يجِبُ عَلَيهِمْ فَقَطْ قَضَاءُ مَا أَفْطَرُوا بَعْدَ تمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وفِطْرِ يَومِ العِيدِ، ولا يجِبُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ 'التَّكْلِيفِ أوِ التَّكْفِيرِ، وهَؤُلاءِ هُمْ:

    أ- الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ:

    وقَدْ تَقَدَّمَ الحَدِيثُ حَولَ عُذْرِهمَا الَّذِي يُبِيحُ لهُمَا الإِفْطَارَ، بَلْ يحَرِّمُ عَلَيْهِمَا الصِّيَامَ في الحَالِ ويُوجِبُ عَلَيْهِمَا القَضَاءَ في المآلِ:قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: " كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلاةِ".

    {تَنْبِيْهٌ أوَّلٌ}: المُسْتَحَاضَةُ لا تُمْنَعُ مِنَ الصَّلاةِ والصِّيَامِ بَلْ يجِبُ عَلَيْهَا كُلُّ ذَلِكَ، ويُحْمَلُ مَا ترَاهُ مِنْ دَمٍ عَلَى أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لا حَيْضٍ، كَدَمِ الصَّبِيَّةِ ودَمِ المرْأَةِ الآيِسِ، يَقُولُ مُفْتي زَمَانِهِ -حَفِظَهُ اللهُ-: " القَوْلُ المُعْتَمَدُ أَنَّ المرْأَةَ إذَا بَلَغَتِ السِّتِّينَ مِنْ عُمُرِهَا فَهِيَ آيِسٌ، وَليْسَتْ في حُكْمِ مَنْ يَأتِيهَا الحَيْضُ، فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ في هَذِهِ الحَالَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ".

    {تَنْبِيْهٌ ثَانٍ}: إذَا وَضَعَتِ المرْأَةُ حمْلَهَا عَنْ طَرِيقِ شَقِّ البَطْنِ أو مَا يُعْرَفُ بـ"العَمَلِيَّةِ القَيْصَرِيَّةِ"ولم يخرُجْ مِنْ مَوضِعِ الدَّمِ مِنْهَا دَمُ النِّفَاسِ فَإِنها تُعَدُّ طَاهِرَةً لا نُفَسَاءَ؛ ولِذَا فَلا عِدَّةَ عَلَيهَا، ويجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَ صَلاتها وتَصُومَ نهَارَهَا قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهَا كَغَيرِهَا مِنَ النِّسَاءِ، أَفْتى بِهِ شَيْخُنَا الإِمَامُ سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ-، وقَبْلَهُ نَظَمَ الإِمَامُ السَّالميُّ -رَحِمَهُ اللهُ- قَائِلاً:


    وَإِنْ أَتَى الموْلُودُ لمْ يَكُنْ مَعَهْ *** دَمٌ فَذَاكَ طَاهِرٌ مَنْ وَضَعَهْ


    ب-المرِيْضُ:

    المرِيْضُ يُشْرَعُ في حَقِّهِ الفِطْرُ، وهَذَا أمرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ بَينَ الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ، بَلْ هُوَ مَنصُوصٌ عَلَيْهِ في كِتَابِ اللهِ -تبَارَكَ وتَعَالى- ولا إِشْكَالَ فِيهِ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَرَضٍ يُسَوِّغُ لِلْمُكَلَّفِ الإِفْطَارَ كالزُّكَامِ وصُدَاعِ الرَّأْسِ ووَجَعِ السِّنِّ كَمَا نَصَّ عَلَيهِ جمْهُورُ أَهْلِ العِلْمِ؛ إذِ الصِّيَامُ لا يُعْدَمُ مِنْ مَشَقَّةٍ يَسِيرَةٍ، وهَذَا هُو مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ، فيَجِبُ عَلَى المرِيضِ أَنْ يُفْطِرَ إذَا كَانَ هَذَا المرَضُ يَضُرُّ بِصِحَّتِهِ ويُلْقِي بِهِ في مهَاوِي الرَّدَى؛ فَإِنَّ اللهَ يُرِيدُ بِعِبَادِهِ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بهمُ العُسْرَ[8]، يَقُولُ شَيخُنَا أبُو عَبدِ الرَّحمنِ القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ- في هَذِهِ القَضِيَّةِ : "..ولا شَكَّ أنَّ قَولَ الجُمْهُورِ هُوَ القَولُ الصَّحِيحُ الَّذِي تَعْضِدُهُ الأَدِلَّةُ".

    وقَدْ قَسَّمَ شَيخُنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحمنِ القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ- المرَضَ إِلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ تَبَعًا لِلْمَشَقَّةِ والحُكْمِ الشَّرْعِيِّ:

    * القِسْمُ الأَوَّلُ: مَرَضٌ يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ = يجِبُ الفِطْرُ

    * القِسْمُ الثَّاني: مَرَضٌ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ = يُنْدَبُ الفِطْرُ

    * القِسْمُ الثَّالِثُ: مَرَضٌ خَفِيفٌ غَيرُ مُضِرٍّ وَلا شَاقٍّ = يحْرُمُ الفِطْرُ.


    وعَلَيهِ فَإِنَّ العِلَّةَ الَّتي تُوجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ الإِفْطَارَ هِيَ الَّتي تُؤَدِّي إِلى حُدُوثِ هَذَا المَرَضِ الشَّدِيْدِ أو زِيَادَتِهِ، أو تَأَخُّرِ الشِّفَاءِ مِنْهُ، أو المَرَضُ الذِي يَتعَبُ فِيهِ المَرِيضُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْكُلَ كِفَايَتَهُ بِاللَّيلِ حَتى يَتَمَكَّنَ مِنَ الصِّيَام نهارًا،وهَذَا كُلُّهُ يحَدِّدُهُ الطَّبِيبُ الأَمِينُ ولَو كَانَ غَيرَ مُسْلِمٍ عَلَى الصَّحِيحِ عِندَ العَلاَّمتَينِ الخَلِيلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حَفِظَهُمُ اللهُ-؛ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ- اتَّخَذَ دَلِيلاً كَافِرًا -وهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيقِطٍ- عِندَما خَرَجَ مِن مكَّةَ المكَرَّمَةِ إِلى المدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وهَذَا كُلُّهُ إنِ اطْمَأَنَّتِ النَّفْسِ لِصِدْقِ قَولِهِ وَصِحَّةِ خَبرِهِ، ولمْ يَكُنْ هُنَاكَ أيُّ شَكٍّ أو رَيْبٍ.

    وفَوْقَ ذَلِكَ فَإِنَّ العَاقِلَ الأَمِينَ طَبِيبُ نَفْسِهِ يَسْتَفْتي نَفْسَهُ بنَفْسِهِ فيُدْرِكُ مَا يَتَحَمَّلُهُ ومَا لا يَتَحَمَّلُهُ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ } بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } القيامة: 14 - 15.

    حِينَهَا يجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ الفِطْرُ في الحَالِ وَالقَضَاءُ في المآلِ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ؛ قَالَ تَعَالى:{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } البقرة: 184.

    ج- الحَامِلُ والمُرْضِعُ:

    الأَصْلُ في الحَامِلِ والمُرْضِعِ أنْ تَكُونَا قَادِرَتَينِ عَلَى الصِّيَامِ، لَكِنْ إِنْ خَافتَا عَلَى نَفْسَيهِمَا أوْ وَلَدَيْهِمَا مِنَ الصِّيامِ أو قَرَّرَ الطَّبِيْبُ الأَمِينُ ضَرَرَ الصِّيَامِ عَلَى الجَنِينِ أوْ عَلَى الرَّضِيْعِ أو عَلَى المرْأَةِ نَفْسِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الفِطْرُ في هَذِهِ الحَالَةِ؛ لأَنها بمَنزِلَةِ المَرِيضِ لا سِيَّمَا إِنْ تَعَلَّقَ الضَّرَرُ بحَقِّ الغَيرِ، ومِنْ قَوَاعِدِ الإِسْلامِ أَنْ " لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ"، وهَكَذَا فَكُلُّ مَا يُؤَدِّي إِلى إِيقَاعِ الضَّرَرِ أو الحَرَجِ أو المَفْسَدَةِ عَلَى المُكلَّفِ أو غَيرِ المُكَلَّفِ فإنَّهُ يُرفَعُ ويُزَالُ..


    وَجَاءَ لا ضُرَّ ولا ضِرَارا *** قَاعِدَةٌ نَبْنِي بِهَا آثَارا


    واخْتَلَفُوا في وُجُوبِ الفِدْيَةِ عَلَى الحَامِلِ والمُرْضِعِ إِنْ أَفْطَرَتَا -مَعَ كَوْنها أَحْوَطَ بِلا خِلافٍ-، والمُعتمَدُ عنْدَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حَفِظَهُمُ اللهُ- أنْ لا فِدْيَةَ ولا إِطْعَامَ عَلَى الحَامِلِ والمُرْضِعِ إِلا وَاجِبَ القَضَاءِ قِيَاسًا عَلَى المَرِيْضِ، والحَمْدُ للهِ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ.

    د- المُكْرَهُ:

    هُوَ المُكْرَهُ عَلَى الإِفْطَارِ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا بحيْثُ إِنْ لمْ يُفْطِرْ أَوْقَعَ بِهِ المُكْرِهُ مَا لا يُطِيقُهُ مِنْ مَكْرُوهٍ وَضُرٍّ بَالِغٍ كقَتْلٍ أو ضَرْبٍ أو بَتْرِ جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، فالوَاجِبُ عَلَيهِ هُنَا أَنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ بِالشُّرْبِ أو يُنقِذَ نَفسَهُ بتَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَلا عَلَيهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلا القَضَاءُ؛ قَالَ تَعَالى:{ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ{ النحل: 106، وفي الحَدِيثِ الحَسَنِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْه".

    هـ- المُضْطَرُّ:

    المُضْطَرُّ لِشِدَّةِ جُوعٍ أو لِشِدَّةِ ظَمَأٍ بِحَيثُ لا يَسْتَطِيعُ هَذَا المُضْطَرُّ أنْ يُواصِلَ الصِّيَامَ إِلى اللَّيلِ، ويخْشَى بِالموَاصَلةِ الهَلاكَ المحقَّقَ علَيهِ أَنْ يُفْطِرَ؛ لأنَّ المُسْلِمَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ كمَا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ أَنْ يُلْقِيَ بِنَفْسِهِ إِلى التَّهْلُكَةِ؛ قَالَ تَعَالى:{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } البقرة: 195.

    وقَدْ شَدَّدَ مَنْ شَدَّدَ مِنَ الفُقَهَاءِ في المُضْطَرِّ فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مِقْدَارِ ضَرُورَتِهِ إِلا أنَّ هَذَا التَّشْدِيدَ لا محِلَّ لَهُ عِنْدَ شَيخِنَا العَلاَّمَةِ بَدْرِ الدِّينِ الخَلِيْلِيِّ -حَفِظَهُ اللهُ- نَظَرًا إِلى أَنَّ رِيقَهُ قَدِ انْتَقَضَ وصَومَهُ قَدِ ارْتَفَعَ وقَضَاءَهُ قَدْ وَجَبَ فَلا مَعْنى للإِمْسَاكِ؛ ولا يُكلَّفُ المرْءُ بِالوَاجِبِ مَرَّتَينِ، فَإِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ.

    قلتُ: وقدْ أضَافَ شَيخُنا القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ- عِنْدَ المُرَاجَعَةِ بخَطِّ قَلَمِهِ "وَهذَا هُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِيْ".

    {تَنْبِيْهٌ}: عَلَى مَنْ أَفْطَرَ شَيئًا مِنْ رَمَضَانَ لأَيِّ عُذْرٍ كَانَ أَنْ يَقْصِدَ في قَضَائِهِ الزَّمَنَ العَارِيَ مِنَ العَوَارِضِ أو الموَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ كيَومِ العِيْدِ المحَرَّمِ صَومُهُ، وكَذَا عَلَى المرْأَةِ الَّتي تُرِيْدُ أَنْ تَقْضِيَ مَا عَلَيْهَا أَنْ تَقْصِدَ الأَيَّامَ الَّتي لا يَتَخَلَّلُهَا الحَيضُ أو النِّفَاسُ أو أَيُّ عَارِضٍ شَرْعِيٍّ، واللهُ أَعْلَمُ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  25. #55
    تاريخ الانضمام
    31/05/2012
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    3,098

    افتراضي

    كتاب المعتمد من الكتب المحببة لدي
    حقيقة الكاتب أبدع في عمل هذا الملخص الوافي
    ليسهل على كل الفئات التفقه في أمور دينه
    بورك مسعاك أختي @أشرقت نفسي

  26. #56
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    اقتباس أرسل أصلا بواسطة هيبة صمت مشاهدة المشاركات
    كتاب المعتمد من الكتب المحببة لدي
    حقيقة الكاتب أبدع في عمل هذا الملخص الوافي
    ليسهل على كل الفئات التفقه في أمور دينه
    بورك مسعاك أختي @أشرقت نفسي
    نعم المعولي أبدع في جعله سهلا ذكر المسائل والاحكام
    بالإضافة إلى التنبيهات والفواءد واللطائف الذي تحتويه
    بحق إنه كتاب رائع يستحق قراءته
    بارك الله فيك
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  27. #57
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ فيمَنْ يجِبُ عَلَيهِ الإِفْطَارُ والإِطْعَامُ



    أ- المرِيْضُ المُزْمنُ:



    هُوَ المرِيْضُ الذِي لا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ في الحَالِ ولا يُرْجَى بُرْؤُهُ في المآل -حَسَبَ الظَّاهِرِ طَبْعًا- فَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ الأَدَاءَ وَلا القَضَاءَ ولَوْ مُتَفَرِّقًا إِنْ لمْ يَسْتَطِعْ مُتَتَابِعًا، فَالوَاجِبُ في حَقِّهِ الإِفْطَارُ، والإِطْعَامُ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِقْدَارَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ أو وَجْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَفَى[22]، وسَيَأْتي بَيَانُهُ فَأنْظِرْني وَلا تُعْجِلْني.



    ب- الشَّيْخُ الكَبِيرُ:



    الشَّيْخُ العَجُوزُ الكَبِيرُ في السِّنِّ والمرْأَةُ العَجُوزُ الكَبِيرَةُ في السِّنِّ اللَّذَانِ لا يَتَحَمَّلانِ الصِّيَامَ وَلا يُطِيقَانِ مَشَقَّتَهُ يجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يُفْطِرَا نهارَ الصِّيَامِ، وأَنْ يُخْرِجَا عَنْ كُلِّ يَومٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، أوْ يُطْعِمَا مِسْكِينًا وَاحِدًا وَجْبَةً وَاحِدَةً عَنْ كُلِّ يَومٍ..





    وفي هَذَا الفَصْلِ مَسَائِلُ، فَأَيْقِظْ لهَا عَزْمَكَ:



    {المَسْأَلَةُ الأُوْلى}
    : الدَّلِيْلُ عَلَى حُكْمِ هَذَينِ الصِّنْفَينِ المرِيْضِ المُزْمِنِ، والشَّيخِ الكَبِيرِ هُوَ قَولُهُ تَعَالى:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } البقرة: ١٨٤، بِنَاءً عَلَى رَأْي حَبْرِ الأمَّةِ وتُرْجُمَانِ القُرْآنِ ابْنِ عبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وهُوَ أنَّ المُرَادَ بِقَولِهِ:{ يُطِيقُونَهُ } يَتَكَلَّفُونَهُ بِشِدَّةٍ، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالتَهُ فَلا يجِبُ عَلَيهِ الصِّيَامُ، ولَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ حِينَئِذٍ مِنَ الصِّيَامِ إِلى الفِدْيَةِ والإِطْعَامِ، وهُو المُعْتمَدُ في الفَتْوَى عِنْدَ الشَّيخَينِ الجَلِيلَينِ -حَفِظَهُمُ اللهُ-[، وقَدْ تَقَدَّمَ سَلفًا.



    {المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ}: الحُكْمُ بِعَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى القَضَاءِ في المُسْتَقْبَلِ إِنما هُوَ بحَسَبِ الظَّاهِرِ والعَادَةِ وغَالِبِ الظَّنِّ، وبحَسَبِ مَا يُقَرِّرُهُ الأُمَنَاءُ مِنْ أَهْلِ الخِبرَةِ، فَإِنْ أَطْعَمَ المرِيضُ مَرَضًا مُزْمِنًا أوِ الشَّيْخُ الكَبِيرُ ثمَّ كَسَاهما اللهُ لِبَاسَ القُوَّةِ والصِّحَةِ فأَطَاقَا الصِّيَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ فَلا يَنبَغِي لَهُ التَّفْرِيطُ في القَضَاءِ مِنْ بَابِ الاحْتِيَاطِ المطْلُوبِ في أُمُورِ الدِّينِ، أمَّا الإِيجَابُ فَفِيْهِ نَظَرٌ؛ وذلِكَ لما جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الشَّارِعِ أنْ لا يُكلَّفَ المكَلَّفُ بِالوَاجِبِ مَرَّتَينِ.. عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ:





    أَلَيْسَ يُجْزِيْهِ الَّذِيْ قَدْ فَعَلا *** أَمْ ثَمَّ فَرْضٌ غَيْرُهُ قَدْ نَزَلا





    {المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ}: مَن لمْ يَسْتَطِعْ عَلَى الصِّيَامِ ولمْ يَقْدِرْ عَلَى الإِطْعَامِ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ سَقَطَ عَنْهُ الوَاجِبُ الشَّرْعِيُّ وكَانَ اللهُ أَوْلى بِعُذْرِهِ، وبَقِيَ عَلَيهِ دَينًا في ذِمَّتِهِ فَإِنْ وَجَدَ قُوَّةً في صِحَّةٍ فَلْيَقْضِ، أوْ بَسْطَةً في يَدٍ فَلْيُطْعِمْ، وإِلا فَلا شَيْءَ عَلَيهِ وَلا عَلَى أَوْلِيَائِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ إذَا أَخَذَ مَا وَهَبَ أَسْقَطَ مَا أَوْجَبَ.



    ولِذَا فَلا تَلْتَفِتْ لِقَولِ مَنْ قَالَ إِنَّ الوَاجِبَ في هَذِهِ الحَالَةِ يَنتَقِلُ لِغَيرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ووَرَثَتِهِ، فَإِنَّهُ رَأْيٌ عَارٍ عَنِ الدَّلِيْلِ؛ إِذْ لا يَصُوْمُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ كَمَا لا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وهَكَذَا لا يجِبُ عَلَيهِمُ الإِطْعَامُ إلا إذَا تَصَدَّقُوا عَنْهُ[31]، والقَولُ بِعَدَمِ انْتِقَالِ الفَرْضِ لِلْغَيرِ هُوَ الذِي اسْتَظْهَرَهُ العَلاَّمَةُ أَبُو المُؤْثِرِ البُهْلوِيُّ، واعْتَمَدَهُ مَنْ بَعْدَه مِنْ أَهْلِ العِلْمِ ومِنْهُمُ الإِمَامَانِ الخَلِيْلِيُّ والقَنُّوبيُّ -حَرَسَهُمُ اللهُ بِعَينِ حِفْظِهِ الَّتي لا تَنَامُ-



    {المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ}: مِنَ المعْلُومِ أنَّ المُوجِبَ لإِطعَامِ المسْكِينِ هُوَ عَدَمُ القُدْرةِ عَلَى صِيَامِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وعَلَيهِ فَلا يَصِحُّ تَقْدِيمُ الإِخْرَاجِ عَلَى المُوجِبِ؛ لأَنَّ المُسَبَّبَ لا يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ، وذَلِكَ كَأَنْ يُطْعِمَ العَاجِزُ عَنْ صِيَامِ جمِيعِ أَيَّامِ الشَّهْرِ في بِدَايَةِ الشَّهْرِ، والصَّوابُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَومٍ في آخِرِهِ، أَو يُطْعِمَ عَنْ عِدَّةِ أيَّامٍ بَعْدَ مُضِيِّهَا، أو يُطْعِمَ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ بَعْدَ أَيَّامِهِ المعْدُودَاتِ، واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ محِيْطٌ



    {المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ}: لا مَانِعَ مِنْ إِعْطَاءِ المسْكِينِ الوَاحِدِ فِدْيَةَ أَيَّامٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أو فِدْيَةَ الشَّهْرِ كُلِّهِ فيُعْطِيَهِ عَنْ ثَلاثِينَ أو تِسْعَةٍ وعِشْرِينَ يَومًا بِعَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ، ولا يُشْتَرَطُ أنْ يُعْطِيَهُ لثَلاثِينَ أوْ تِسْعَةٍ وعِشْرِينَ مِسْكِينًا، فَيَكْفِي إِخْرَاجُهَا ولَوْ لِشَخْصٍ واحِدٍ مَا لمْ يخْرُجْ بِهِ مِنْ حَدِّ الفَقْرِ إِلى حَدِّ الغِنى؛ وذَلِكَ لما عَلِمْتَهُ مِنْ تَعَدُّدِ المُوجِبِ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ بِعَدَدِ الأَيَّامِ، فَكُلُّ يَومٍ مِنْ رَمَضَانَ فَرِيْضَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.



    وهَذَا بخِلافِ الكَفَّارَةِ الوَاحِدَةِ الَّتي يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعَدُّدُ المسَاكِينِ؛ لأَنَّ المُوجِبَ والسَّبَبَ فِيهَا وَاحِدٌ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ



    {المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ}: يُجْزِي في الإِطْعَامِ أَنْ يُعْطَى لكُلِّ مَنْ يَقتَاتُ بِالطَّعَامِ مِنْ أَفْرَادِ البَيْتِ صِغَارِهِ وكِبَارِهِ، فيُحسَبُ كُلٌّ مِنْهُم عَلَى حِدَةٍ، ويُسْتَثنى مِنْ ذَلِكَ الرَّضِيْعُ فَإِنَّهُ لا يَقْتَاتُ بالطَّعَامِ.



    {المَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ}: الأَصْلُ في فِدْيَةِ العَاجِزِ عَنِ الصِّيَامِ الإِطْعَامُ، أمَّا دَفْعُ القِيمَةِ فَلَمْ يَأتِ بِهِ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلا سُنَّةٍ، ولِذَا فَلا يُصَارُ إِلَيهِ عِنْدَ السَّعَةِ وإِمْكَانِ قَبُولِ الفُقَرَاءِ للطَّعَامِ، يَقُولُ البَدْرُ الخَلِيْلِيُّ -رَعَاهُ اللهُ-: " والأَصْلُ دَفْعُ الطَّعَامِ، أمَّا القِيْمَةُ فَهِيَ حَاجَةٌ ثَانَوِيَّةٌ، إِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يتَقَبَّلُ الطَّعَامَ فَلْيَدفَعْ إِلَيهِ قِيمَةَ الطَّعَامِ"، ويَقُولُ شَيخُنا أَبُو عَبدِ الرَّحمنِ القَنُّوبيُّ -يَحْفَظُهُ اللهُ-: "والقَوْلُ بِعَدَمِ الجَوازِ قَولٌ قَوِيٌّ جِدًّا".



    والقِيمَةُ -في حَالِ إِخْرَاجِهَا- هِيَ قِيمَةُ نِصْفِ الصَّاعِ مِنَ الطَّعَامِ بحَسَبِ سِعْرِ السُّوقِ يَومَ الإِخْرَاجِ، وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.



    {المَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ}: الوَجْبَةُ الوَاحِدَةُ إذَا كَانَتْ مَأْدُومَةً ومُشْبِعَةً تَكْفِي في إِطْعَامِ المسْكِينِ عَلَى القَوْلِ الرَّاجِحِ المُعْتمَد عِندَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -يحفَظُهُمُ اللهُ-؛ نَظَرًا إِلى إِطْلاقِ القُرْآنِ الكَرِيمِ والسُّنةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالأَصْلُ في الأَمْرِ المُطْلَقِ أَنْ تجزِيَ فِيهِ المرَّةُ الوَاحِدَةُ، ولا دَلِيلَ عَلَى إِيجَابِ الوَجْبَتَينِ إِلا مِنْ بَابِ الاحْتِيَاطِ.



    {المَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ}: إِنِ اخْتَارَ المُفْتَدِي إِخْرَاجَ الطَّعَامِ للْمِسْكِينِ بَدَلَ دَعْوَتِهِ للْوَجْبَةِ فَعَلَيهِ أَنْ يُعْطِيَهُ الطَّعَامَ نيًّا غَيرَ مَطْبُوخٍ ليَتْرُكَ لَهُ حُرِّيَّةَ التَّصَرُّفِ في طَهْيِهِ كَيفَمَا يحْلُو لَهُ، يَقُولُ سماحَةُ المُفْتي -أَبْقَاهُ اللهُ-: "..أو بِإِعْطَائِهِ الطَّعَامَ الذِي يَتَوَلَّى بِنفْسِهِ طَبْخَهُ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا عَسَى أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ مَؤُونَةٍ".



    فَتْوَى



    السُّؤَالُ/ هَلْ يَصِحُّ أنْ يُقَدِّمَ الإِطْعَامَ بِدَايَةَ الشَّهْرِ عَنْ كُلِّ الأَيَّامِ؟



    الجَوَابُ/ لا، الإِطْعَامُ لا يَكُونُ إِلا بَعْدَ وجُوبِ الصِّيَامِ -بعْدَ حُلُولِ اليَومِ الذِي يَجِبُ صِيَامُهُ-؛ فَإِنَّ الإِطْعَامَ بَدَلٌ عَنِ الصِّيَامِ، ولا يَتَقَدَّمُ البَدَلُ عَن مِيقَاتِ المُبْدَلِ عَنهُ.
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  28. #58
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ فيمَنْ يجُوزُ لَهُ الإِفْطَارُ ويجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ



    أ- المرِيْضُ:



    وهُوَ المرِيضُ مَرَضًا مُؤَقَّتًا يَشُقُّ عَلَى الإِنْسَانِ مِنْ غَيرِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ إِلى الهَلاكِ كَمَا تَقَدَّمَ مَعَكَ تَقْسِيمُ المَرَضِ إِلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ، فَمَنْ شَقَّ وعَسُرَ عَلَيهِ الصِّيَامُ جَازَ لَهُ الإِفْطَارُ ووَجَبَ عَلَيهِ القَضَاءُ؛ قَالَ تَعَالى:{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﮀ } البقرة: ١٨٤.



    ب- المُسَافِرُ:



    يجُوزُ للْمُسَافِرِ الإِفْطَارُ في سَفَرِهِ بِنَصِّ القُرْآنِ الكَرِيمِ -كَمَا تَقَدَّمَ مَعَكَ قَرِيبًا- وبِنُصُوصِ السُّنةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلاةُ وأَتمُّ التَّسْلِيمِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ في رَمَضَانَ فَصَامَ حَتى بَلَغَ الكَدِيدَ فَأَفْطَرَ وأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ"، وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ فَمِنَّا مَنْ صَامَ ومِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمَ مِنَ المُفْطِرِ وَلا المُفْطِرَ مِنَ الصَّائِمِ"، وقَدْ أَجمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ مِنْ حَيثُ العُمُومُ.



    والسَّفَرُ الذِي يُسَوِّغُ للإِنْسَانِ الإِفْطَارَ ويُوجِبُ عَلَيهِ القَضَاءَ بَعدَهَا هُو السَّفَرُ الذِي تُقْصَرُ مَعَهُ الصَّلاةُ، فإِذَا ثَبَتَ حُكْمُ السَّفَرِ وَجَبَ القَصْرُ وجَازَ الفِطْرُ -كمَا يَقُولُ الشَّيخَانِ الخَلِيْلِيُّ والقَنُّوبيُّ -حَفِظَهُمَا اللهُ-، وحَدُّ السَّفَرِ الذِي يُبِيحُ للإِنْسَانِ الفِطْرَ هُو فَرْسَخَانِ، وهُوَ مَا يُعَادِلُ اثْني عَشَرَ كيلُو مِتْرًا بمقَايِيسِ العَصْرِ..





    وَهُنَا مَسَائِلُ وتَنْبِيهَاتٌ يحْسُنُ بِكَ -أَخِي، طَالِبَ العِلْمِ والعَمَلِ- أَنْ تُحِيطَ بهَا عِلْمًا بَعْدَ أَنْ تُوسِعَهَا مَعْرِفَةً وفَهْمًا:



    {المَسْأَلَةُ الأُوْلى}: الإِفْطَارُ في حَقِّ المُسَافِرِ جَائزٌ وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى رَأيِ جمهُورِ العُلَمَاءِ، وهُوَ المُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقنُّوبيِّ -حَفِظَهُمُ اللهُ-، وهَذَا كلُّهُ خِلافًا للظَّاهِرِيَّةِ القَائِلِينَ بِوُجُوبِ الإِفْطَارِ عَلَى المُسَافِرِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الآيَةِ حَتى قَالُوا: "مَنْ صَامَ في سَفَرِهِ كمَنْ أَفْطَرَ في حَضَرِهِ"، أمَّا الجُمْهُورُ فَقَالُوا: إِنَّ في الآيَةِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ [فَأَفْطَرَ]، أيْ } فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ [فأفطر] فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﮀ{ البقرة: ١٨٤، وكَذَا يُقَالُ أَيْضًا في قَولِهِ عز وجل:{وَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﯖ } البقرة: ١٨٥، وهُوَ أُسْلُوبٌ مَعْهُودٌ في القُرْآنِ الكَرِيمِ كَثِيرًا.



    {المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ}: اِخْتَلَفَ جمهُورُ أَهْلِ العِلْمِ في الأَفْضَلِ في حَقِّ المُسَافِرِ: الصِّيَامُ أَمِ الإِفْطَارُ؟! مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الجَمِيعِ، والرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّيخَينِ -متَّعَهُمَا اللهُ بالصِّحَّةِ والعَافِيَةِ- أَنَّ أَفْضَلَهُمَا أَيْسَرُهمَا، فعِندَمَا يَكُونُ الصِّيَامُ أَيْسَرَ وأَسْهَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وعِندَمَا يَكُونُ فِيهِ عَلَى المُسَافِرِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ فَالأَفْضَلُ الفِطْرُ، والدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا التَّفْضِيلِ التَّعْلِيلُ الذِي ذُيِّلَتْ بِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ السَّابِقَةُ، وهوَ قَولُهُ تَعَالى:{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } البقرة: ١٨٥.



    {المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ}: تقدَّمَ مَعَكَ -أيُّهَا التِّلْمِيذُ الأَرِيبُ- أَنَّ السَّفَرَ الذِي يُبِيحُ الفِطْرَ هُوَ السَّفَرُ الَّذِي يُشْرَعُ مَعَهُ القَصْرُ، فَبَينَ وُجُوبِ القَصْرِ وجَوَازِ الفِطْرِ تَلازُمٌ وارْتِبَاطٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ مَعَكَ -أَيْضًا- في الجُزْءِ الأَوَّلِ مِنْ هَذَا الكِتَابِ "المُعْتمَدُ في فِقْهِ الصَّلاةِ" مَا نَصُّهُ:



    "..المُعْتمَدُ عِنْدَ المحقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ السَّفَرَ الَّذِي تُجْمَعُ وتُقْصَرُ مَعَهُ الصَّلاةُ هُوَ مُطْلَقُ السَّفَرِ، لا فَرْقَ بَينَ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّفَرُ في طَاعَةٍ أوْ في مَعْصِيَةٍ.."، وبهَذَا تُدْرِكُ أَنَّ الرَّاجِحَ في جَوَازِ الفِطْرِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْمُسَافِرِ مُطْلَقًا مُطِيعًا كَانَ أو عَاصِيًا؛ فَأَمَّا العَاصِي فَلَهُ عُقُوبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ مَا بَعْدَهَا عُقُوبَةٌ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، فإِنَّا لا نَصْبرُ عَلَى أَلِيْمِ عُقُوبَتِهِ؛ قَالَ تَعَالى:{ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } الجن: ٢٣



    {المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ}: مَنْ بيَّتَ نَيَّةَ الإِفْطَارِ مِنَ اللَّيلِ مِنْ أَجْلِ السَّفَرِ وَهُوَ لا يَزَالُ في بَلَدِهِ فَعَلَيهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَلَدِهِ ويجَاوِزَ الفَرْسَخَينِ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، وَلا يجُوزُ لَهُ الإِفْطَارُ وهُوَ لا يَزَالُ في بَلَدِهِ، أي لا يجُوزُ لَهُ أنْ يُصْبِحَ في بَلَدِهِ مَعَ نِيَّةِ الإِفْطَارِ.



    {المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ}: لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ مَهْمَا عَنَّ لَهُ السَّفَرُ بَعْدَ أَنْ يجَاوِزَ الفَرْسَخَينِ، ولَوْ أَصْبَحَ عَلَى نِيَّةِ الصِّيَامِ ولمْ يُبَيِّتِ الإِفْطَارَ مِنَ اللَّيْلِ، وَلا يُشْتَرَطُ لِفِطْرِ المُسَافِرِ وَكذَا المَرِيضِ تَبْيِيتُ نِيَّةِ الإِفْطَارِ مِنَ اللَّيلِ، هَذَا هُوَ المُعْتَمَدُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الإِمَامَينِ: إِمَامِ المُفَسِّرِينَ وإِمَامِ المحدِّثِينَ -يحفَظُهُمُ اللهُ-[55]، لِلدَّلالَةِ الوَاضِحَةِ الصَّرِيحةِ مِنْ فِعْلِ الأُسْوةِ الحَسَنَةِ صلى الله عليه وسلم حينَمَا صَامَ هُوَ وأَصْحَابُهُ حَتى بَلَغَ الكَدِيْدَ فَأَفْطَرَ وأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ وكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالأَحْدَثِ فَالأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الجَزْمِ بِأَنهمْ أَصْبَحُوا صَائِمِينَ وَلم يُبَيِّتُوا الإِفْطَارَ مِنَ اللَّيْلِ.



    {المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ}: مَنْ أَتَى في صَوْمِ سَفَرِهِ مَا يُوجِبُ عَلَيهِ الكَفَّارَةَ المُغَلَّظَةَ أَنْ لَوْ كَانَ في وَطَنِهِ كَالأَكْلِ والشُّرْبِ والجِمَاعِ فَلا كَفَّارَةَ عَلَيهِ إِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ الإِفْطَارِ.



    أَمَّا إِنْ أَكَلَ أوْ شَرِبَ أوْ جَامَعَ أوِ اسْتَمْنى في نهَارِ رَمَضَانَ مُنْتَهِكًا لحُرْمَةِ الشَّهْرِ غَيرَ مُبَالٍ بِشَعِيرَةِ الصَّوْمِ فَقِيلَ: عَلَيْهِ مَا عَلَى الصَّائِمِ في حَضَرِهِ؛ لأنَّهُ اخْتَارَ الصِّيَامَ ثمَّ انْتَهَكَ حُرْمَةَ صِيَامِهِ هَذَا، وَبِهِ أَفْتى شَيخُنَا الخَلِيْلِيُّ -حَفِظَهُ اللهُ-، وقيلَ: لا تجِبُ الكَفَّارَةُ المغَلَّظةُ عَلَى المُسَافِرِ الَّذِي ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ الكَفَّارَةَ في نهَارِ صِيَامِهِ أَنْ لَو كَانَ في وَطَنِهِ؛ نَظَرًا إِلى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ في الأَصْلِ أنْ يُفطِرَ، وإِلى هَذَا الأَخِيرِ ذَهَبَ شَيخُنا القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ-، وقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا لمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَنْ هَوًى، وَإِنما لِكُلٍّ مِنهُمَا نَظَرٌ واعْتِبَارٌ [ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ } البقرة: ١٤٨.



    {المَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ}: مَنْ أَفْطَرَ في حَالَةِ السَّفَرِ في شَهْرِ رَمَضَانَ ثمَّ رَجَعَ إِلى بَلَدِهِ نهَارًا وهُوَ مُفْطِرٌ فَلَيسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ إِنْ وَاصَلَ الإِفْطَارَ، يَقُولُ شَيخُنا المفْتي -أبْقَاهُ اللهُ-: "..وَالقَولُ الرَّاجِحُ بِأَنَّهُ لا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ، إذِ الإِمْسَاكُ لا يجْدِيهِ شَيْئًا وَقَدْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا"، وَقَدْ تَقَدَّمَ في ذَلِكَ صَنِيعُ الإِمَامِ جَابِرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- مَعَ امْرَأَتِهِ، واللهُ أعْلَمُ.



    قلتُ: وقدْ أضافَ شيخُنا القنُّوبيُّ -حفظهُ اللهُ- عندَ المراجَعَةِ بخطِّ قلمِهِ "وَهذَا هُوَ الصَّوَابُ".



    {المَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ}: لِلْمُسَافِرِ في شَهْرِ الصِّيَامِ أَنْ يَصُوْمَ ويُفْطِرَ في أَيَّامِ الشَّهْرِ حَسَبَ مَا يَرى مِنْ مَصْلَحَتِهِ ويُقَدِّرُ مِنْ ظُرُوفِهِ مَا دَامَ مُتَلَبِّسًا بِرُخْصَةِ السَّفَرِ، وعَلَيْهِ فيَجُوزُ لَهُ -عَلَى الرَّأيِ الصَّحِيحِ المُعْتمَد عِنْدَ الشَّيخَينِ- أَنْ يُفْطِرَ بَعْدَ صِيَامِهِ مِنْ رَمَضَانَ، ولا يَنْهَدِمُ مَا مَضَى مِنَ الصِّيَامِ؛ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِعْلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ صَامَ هُوَ وأَصْحَابُهُ حَتى بَلَغُوا الكَدِيدَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ، ولمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى مِنْ أَيَّامٍ قَبْلَ هَذَا الفِطْرِ.



    وكَذَا لا يَنْهَدِمُ مَا صَامَهُ بَينَ فِطْرَينِ، كَأَنْ يُفْطِرَ ثمَّ يَصُوْمَ ثمَّ يُفْطِرَ، وقَدْ تَقَدَّمَ -أيضًا- أَنَّ في هَذَا دَلِيلاً عَلَى أَنَّ كُلَّ يَومٍ مِنْ رَمَضَانَ فَرِيْضَةٌٌ مُسْتَقِلَّةٌ، والعِلْمُ عِنْدَ اللهِ.



    {المَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ}: السَّفَرُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ يُبِيحُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَنتَقِلَ مِنَ الصِّيَامِ الوَاجِبِ إِلى الإِفْطَارِ، ولا فَرْقَ عَلَى المُعْتمَد عِندَ شَيخِنَا بَدْرِ الدِّينِ -حَفِظَهُ اللهُ- بَينَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصِّيَامُ أَوْجَبَهُ اللهُ كصِيَامِ رَمَضَانَ، أو أوْجَبَهُ المرْءُ عَلَى نَفْسِهِ كَصِيَامِ النَّذْرِ والكَفَّارَةِ، خِلافًا لِمَنْ شَدَّدَ في هَذَا الأَخِيرِ فَلمْ يُبِحْ لِلمُكَفِّرِ والنَّاذِرِ الفِطْرَ في السَّفَرِ، ففِي هَذَا نَظَرٌ؛ إذْ لا يَكُونُ مَا أَوْجَبَهُ العَبْدُ أَشَدَّ مما أَوْجَبَهُ رَبُّ العَبْدِ عز وجل، وقَدْ تقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الأَخِيرَ هُوَ القَولُ المُعْتَمَدُ فاشْدُدْ بهِ يَدًا.



    {المَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ}: السَّفَرُ سَبَبٌ لِلْفِطْرِ رُخْصَةً مِنَ اللهِ ورَحمةً، وَلَيْسَ الفِطْرُ سَبَبًا لِلسَّفَرِ، وعَلَيْهِ فَلا يجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَحَايَلَ عَلَى رَبِّه ِ ويخَادِعَ مَوْلاهُ فَيَخْرُجَ مِنْ وَطَنِهِ إِلى حُدُودِ سَفَرِهِ ثمَّ يَرْجِعَ أَدْرَاجَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُفْطِرَ نهَارَهُ، فَلَيسَ هَذَا شَأْنَ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ بَلْ هُوَ شَأْنُ المنَافِقِينَ المُخَادِعِينَ { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } البقرة: ٩
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  29. #59
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ فيمَنْ يجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ



    أ- المُفَرِّطُ في قَضَاءِ رَمَضَانَ:



    لَقَدْ عَلِمْتَ -أَخِي، وفَّقَكَ المَوْلى لِلمُسَارَعَةِ في طَاعَتِهِ- أَنَّ العَابِدَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَقْطَعُ صِيَامَهُ، ويَعْذِرُهُ عَنِ القِيَامِ بَأَدَائِهِ في الحَالِ مِنَ المرَضِ والسَّفَرِ وَالأَعْذَارِ الشَّرعيَّةِ الأُخْرَى كَالحَيْضِ والنِّفَاسِ والحَمْلِ والرَّضَاعِ بِالنِّسْبَةِ لبَنَاتِ حَوَّاءَ، فيُعْفَى المُكَلَّفُ عَنِ الصِّيَامِ في ذَلِكَ الحَالِ إِلا أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِأَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيهِ مِنْ أَيَّامٍ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ العَارِضِ وقَبْلَ مجِيْءِ رَمَضَانَ القَادِمِ..



    فَإِنْ دَاهمَهُ الشَّهْرُ الكَرِيمُ ولمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ القَضَاءِ لاسْتِمْرَارِ العُذْرِ أو لِطُرُوءِ عُذْرٍ آخَرَ كنِسْيَانٍ -مَثَلاً- فَلْيَصُمِ الحَاضِرَ ولْيَقْضِ الفَائِتَ بَعْدَ ذَلِكَ ولَيْسَ عَلَيهِ شَيْءٌ آخَرَ بَعْدَهَا.



    أمَّا مَنْ فَرَّطَ في القَضَاءِ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ حَتى جَاءَهُ الشَّهْرُ الكَرِيمُ فَعَلَيْهِ مَعَ صِيَامِ الحَاضِرِ وقَضَاءِ الفَائِتِ أَنْ يَتُوبَ إِلى اللهِ تَعَالى أوَّلاً مِنْ تَضْيِيعِ الوَاجِبِ، وَعَلَيْهِ كَذَلِكَ أنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَومٍ فَوَّتَ قَضَاءَهُ مِسْكِينًا عَلَى الرَّأْيِ المُفْتى بِهِ عِنْدَ شَيخِنَا الخَلِيْلِيِّ -حَفِظَهُ اللهُ-؛ لحَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَ قُطْني مَرْفُوعًا والبُخَارِيُّ مَوْقُوْفًا.



    بَينَمَا ذَهَبَ شَيخُنا القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ- إِلى عَدَمِ إِيجَابِ الإِطْعَامِ فَوْقَ وَاجِبِ التَّوبَةِ؛ لأَنَّ الحَدِيْثَ لَدَيهِ لا يَثْبُتُ لَهُ سَنَدٌ ومَا دَامَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مُعْتَمَدٌ، والأَصْلُ في أَمْوَالِ المُسْلِمِينَ العِصْمَةُ، فَلا إِيجَابَ إِلا بِدَلِيْلٍ شَرْعِيٍّ، وقد سَبَقَهُ إِلى القَولِ بهذَا الرَّأْيِ مِنْ أصْحَابِنَا الإِمَامُ أَبُو سَعِيدٍ الكُدَمِيُّ -رَحِمَه اللهُ-، يقُولُ الإِمَامُ السَّالمِيِّ:





    وَفِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ لا يجِبُ *** وَهُوَ إِلى أَبي سَعِيدٍ أَعْجَبُ





    إِلا أَنَّ الإِطْعَامَ أَحْوَطُ عندَ الجَمِيعِ وفِيهِ خُرُوجٌ مِنَ الخِلافِ، والخُرُوجُ مِنَ الخِلافِ هُوَ مجْمَعُ السَّلامَةِ وَمَطْلَبُ أَهْلِ الحَقِّ والاسْتِقَامَةِ، وبِالله التَّوْفِيْقُ.



    ب- المُنْتَهِكُ لحُرْمَةِ الشَّهْرِ:



    اِعْلَمْ -أيُّها المُتَفَقِّهُ في الدِّينِ، عَصَمَكَ اللهُ مِنَ الحُرَمِ والمحَارِمِ- أَنَّ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا المُؤْمِنُ وِفْقَ شِرْعَتِهِ عز وجل مُلْتَزِمًا أَمْرَهُ، مجْتَنِبًا نهْيَهُ، وَاقِفًا عِنْدَ حُدُودِهِ، مُبْتَعِدًا عَنْ حمَاهُ، فَإِنَّ لِلْمَعْصِيَةِ شُؤْمًا وظُلْمَةً في القَلْبِ كَمَا أَنَّ لِلطَّاعَةِ نُورًا ونجَاةً وبُرْهَانًا، ولِذَا فَإِنَّكَ دَائِمًا مَا تجِدُهُ





    قَدْ أَخَذَ الجَانِبَ عَنْ حمَى الرِّيَبْ *** فَلا يحُومُ حَوْلهَا وَلا كَرَبْ

    سَمَتْ بِهِ هِمَّتُهُ فَلا يَرَى *** إِلا المَعَالي مَكْسَبًا وَمَتْجَرا





    هَذَا، وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الإِثمِ أَنَّ يَأتيَ العَبْدُ الضَّعِيفُ إِلى رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ -كَالصِّيَامِ- فيَنْتَهِكُ حُرْمَتَهُ ويُفْطِرُ نهَارَهُ بِأَكْلٍ أوِ شُرْبٍ أو جِمَاعٍ أوِ اسْتِمْناءٍ، فَإِذَا مَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ مَا بَقِيَ مِنْ أَنْفَاسِهِ بِالمتَابِ قَبْلَ المَمَاتِ، فَإِنَّ اللهَ يُمْهِلُ ولا يُهْمِلُ، وهَوُ سبحانه وتعالى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مَهْمَا عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ وكَثُرَ حُوبُهُ.



    فَإِذَا مَا تَابَ وَأَنَابَ ورَجَعَ واسْتَغْفَرَ شُرِعَ في حَقِّهِ وجُوبًا قَضَاءُ ذَلِكَ اليَومِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ المُعْتمَد عنْدَ عُلمَائِنَا كالمشَايِخِ السَّالميِّ -رَحِمَهُ اللهُ- والخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حَفِظَهُمُ اللهُ-؛ لأَنَّ صِيَامَ ذَلِكَ اليَومِ الذِي انْتَهَكَهُ قَدْ فَسَدَ وأَصْبَحَ دَينًا عَلَيهِ للهِ يجِبُ قَضَاؤُهُ، بَل " دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ".



    وَلا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ مَا سَبَقَ مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ -عَلَى الصَّحِيْحِ الرَّاجِحِ عِنْدَ المشَايِخِ الأَجِلاَّءِ السَّالميِّ والخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ-؛ لأَنَّهُ فَرَائِضُ مُتَعَدِّدَةٌ لا فَرْضٌ وَاحِدٌ، فَلا يُؤَثِّرُ فَسَادُ اللاَّحِقِ في صِحَّةِ السَّابِقِ..





    لأَنَّهُ فَرَائِضٌ لا فَرْضُ *** فَلا يَعُمُّ الصَّومَ فِيْهِ نَقْضُ





    وعَلَيْهِ مَعَ قَضَاءِ ذَلِكَ اليَومِ الَّذِي انْتَهَكَ حُرْمَتَهُ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةً مُغَلَّظَةً، وهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لمْ يجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ، فَإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، هَكَذَا عَلَى التَّرْتِيْبِ المذْكُورِ كمَا هُو المُعْتَمَدُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -رعَاهُمُ اللهُ-، وأُحِيلُكَ إِلى تَفْصِيلِ ذَلِكَ في كِتَابِنَا: "المُعْتمَدُ في فِقْهِ الكَفَّارَاتِ" فَقَدْ أَعْطَيتُكَ سَيْفًا قَاطِعًا إِنْ كُنْتَ بِهِ ضَارِبًا



    فَتْوَى



    السُّؤَالُ/ اِمْرَأَةٌ بَلَغَتِ السَّبْعِينَ مِنْ عُمُرِهَا ولمْ تَصُمْ رَمَضَانَ لمدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً ظَنًّا مِنْهَا أَنَّ الحَامِلَ والمُرْضِعَ لا تَصُومُ، فَمَاذا عَلَيْهَا في هَذَا السِّنِّ؟



    الجَوَابُ/ عَلَيْهَا أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ، وأَنْ تَقْضِيَ مَا أَضَاعَتْهُ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ، وعَلَيْهَا عَلَى الأَقَلِّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لمْ تَسْتَطِعْ فَصِيَامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ فَإِنْ لمْ تَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وإِنْ عَجَزَتْ عَنْ صِيَامِ الأَشْهُرِ الَّتي أَضَاعَتْهَا فَلْتُطْعِمْ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينًا، واللهُ أَعْلَمُ.



    [ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ]: الكَفَّارَةُ المُغَلَّظَةُ تجِبُ فيَمَا أُجمِعَ عَلَى أنهُ نَاقضٌ لِلصِّيامِ، لا فِيَمَا اختُلِفَ فيهِ، ومَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ المعَاصِيْ فتُدْرَأُ عَنْهَا الكَفَّارةُ لشُبهَةِ الخِلافِ، وَلكِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ.





    فَصْلٌ فيمَنْ لا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَلا قَضَاءٌ وَلا كَفَّارَةٌ



    تَعَرَّفْ -أَصْلَحَ اللهُ لي وَلَكَ الشَّأْنَ- أَنَّ هُنَاكَ صِنْفًا مِنَ النَّاسِ لا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ وَلا الإِطْعَامُ، وهُمْ مَنْ فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ وجُوبِ الصِّيَامِ مِمَّنْ ذُكِرَ سَلَفًا كالصَّبيِّ الَّذِي لمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ، والمجنُونِ الذِي لا يُدْرِكُ التَّكْلِيْفَ، وَلا يَعْرِفُ دُخُولَ الشَّهْرِ وخُرُوجَهُ، والمُغْمَى عَلَيْهِ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ فِيْهِ مِنْ خِلافٍ؛ قَالَ الرَّسُولُ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ"، والحَمْدُ للهِ عَلَى تمَامِ المنَّةِ
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

  30. #60
    تاريخ الانضمام
    19/06/2016
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    3,584
    مشاركات المدونة
    6

    افتراضي

    فَصْلٌ في مَسَائِلَ وتَنبِيْهَاتٍ مُهِمَّةٍ



    {المَسْأَلَةُ الأُوْلى}: مَنْ أَفْطَرَ شَيْئًا مِنْ رَمَضَانَ ووَجَبَ في حَقِّهِ القَضَاءُ لَكِنَّهُ لمْ يَسْتَطِعْ عَلَيْهِ فَلا يُكلَّفُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، ويُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينًا إِنِ اسْتَطَاعَ؛ إذِ الميسُورُ لا يَسْقُطُ بِالمعْسُورِ، فَإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ عَلَى الإِطْعَامِ فَاللهُ أَوْلى بِعُذْرِ عِبَادِهِ الضُّعَفَاءِ، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا.



    {المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ}: عَلَى مَنْ أَفْطَرَ شَيْئًا مِنْ رَمَضَانَ ووَجَبَ عَلَيْهِ القَضَاءُ أَنْ يُسَارِعَ إِلى ذلكَ القَضَاءِ؛ لأَنَّهُ لا يَدْرِيْ مَتى يَنْزِلُ بِسَاحَتِهِ المنُونُ؛ ولأَنَّ القَضَاءَ دَيْنٌ وَاجِبٌ للهِ، "ودَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ" كمَا قَالَ صَاحِبُ المنَّةِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ صلى الله عليه وسلم، إِلا أَنَّهُ لا يَلْزَمُ -عَلَى الصَّحِيْحِ عِنْدَ الشَّيخَينِ- أَنْ يَكُونَ هَذَا القَضَاءُ بَعْدَ الفِطْرِ مُباشَرةَ، بَلْ يمكِنُ لِلإِنسَانِ أنْ يُؤَخِّرَ القَضَاءَ لحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ كَمَا كَانَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ تُؤَخِّرُ قَضَاءَ مَا أَفْطَرَتْهُ مِنْ رَمَضَانَ إِلى شَعْبَانِ لِيُوَافِقَ صِيَامُهَا صِيَامَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.



    وفي هَذَا -أَيْضًا- دَلِيْلٌ عَلَى جَوَازِ التَّطوُّعِ بِالصِّيَامِ مِمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ؛ إِذْ لا يُعْقَلُ أَنْ تَبْقَى الصِّدِّيقَةُ ابْنَةُ الصِّدِّيقِ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ مَعَ خَلِيْلِ اللهِ وخَلِيْلِهَا تُشَاهِدُهُ يَقْضِي سَحَابَةَ أَيَّامِهِ صَائِمًا وهِيَ لا تُشَارِكُهُ الصِّيَامَ طَوَالَ العَامِ حَتى يَأْتيَ شَعْبَانُ بحُجَّةِ أَنَّ عَلَيْهَا قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ.



    يقُولُ أبُو خَلِيْلٍ الخَلِيْلِيُّ -أبقَاهُ اللهُ-: "ومِنْهُمْ مَنْ قَالَ: "لا مَانِعَ مِنَ التَّطَوُّعِ مِمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ"، وهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، ويَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أمَّ المؤْمِنِينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَانَتْ تُؤَخِّرُ قَضَاءَهَا إِلى شَهْرِ شَعْبَانَ مُرَاعَاةً لِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم يَصُوْمُ غَالِبَ شَعْبَانَ.. وَلا يُعْقَلُ أَنْ تَبْقَى عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- طَوَالَ أَيَّامِ العَامِ لا تَصُومُ تَطَوُّعًا، مَعَ حِرْصِهَا عَلَى الفَضْلِ، ومَعَ كَوْنِهَا في بَيْتِ النُّبُوَّةِ"، واللهُ أَعْلَمُ.



    {المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ}: اِخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِيمَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، هَلْ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ في القَضَاءِ أوْ لا يَلْزَمُهُ؟ والذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا -رِضْوَانُ اللهِ تَعَالى عَلَيْهِمْ- أَنَّ التَّتَابُعَ في القَضَاءِ وَاجِبٌ في حَالِ القُدْرَةِ، وهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الفَتْوَى عنْدَ شَيخِنَا المُفْتي -أَبْقَاهُ اللهُ-، يَقُولُ سماحَتُهُ مُصَرِّحًا: " وَلَكِنَّ القَولَ الرَّاجِحَ الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ أَنَّ رَمَضَانَ يُقْضَى مُتَتَابِعًا.. هَذَا القَولُ الذِي نَعْمَلُ بِهِ ونَعْتَمِدُهُ"، وهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ أَيْضًا شَيْخُنا الغَارِبيُّ -حفِظَهُ اللهُ- في بَعْضِ بحُوثِهِ.



    أمَّا العَلاَّمَةُ القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ- فَقَدْ رَأَى عَدَمَ وُجُوبِ أوِ اشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ في قَضَاءِ رَمَضَانَ؛ لأَنَّ جمِيْعَ مَا رُوِيَ في هَذِهِ المسْأَلَةِ مما يُوجِبُ التَّتَابُعَ أو يجِيزُ التَّفْرِيْقَ لمْ يَثْبُتْ عَنهُ صلى الله عليه وسلم والرُّجُوعُ إِلى الأَصْلِ يَقْتَضِي بَراءَةَ الذِّمَّةِ مِنَ الوُجُوبِ.



    والحَاصِلُ أَنَّ في المسْأَلَةِ -كمَا يُقَالُ- إِطَالَةً لا تَتَّسِعُ لهَا هَذِهِ العُجَالَةُ، وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا، وأَدِلَّةٌ هُوَ آخِذٌ بهَا، فمَنْ عَمِلَ بِأَيِّ الرَّأْيَينِ فَلا يُعَنَّفُ أو يُشَدَّدُ عَلَيْهِ -لا سِيَّمَا إِنْ رَكِبَتِ المرْءَ ضَرُورَةٌ-، إِلا أَنَّ القَدْرَ المُتَّفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ الجَمِيْعَ أَنَّ مَنْ تَابَعَ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الخٍلافِ، وَكَانَ في مَنْطِقَةِ الأَمَانِ والسَّلامِ، والسَّلامَةُ في الدِّينِ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ، فالتَّتَابُعُ في القَضَاءِ أَسْلَمُ وأَحْزَمُ.. فـَ:





    شمِّرْ وكُنْ في أُمُورِ الدِّينِ مُجتَهِدًا *** وَلا تَكُنْ مِثْلَ عِيرٍ قِيْدَ فانْقَادا





    فَإِني:





    أُحِبُّ فَتًى مَاضِي العَزَائِمِ حَازِمًا *** لِدُنْيَا وأُخْرَى عَامِلاً بِالتَّشَمُّر ِ

    وأَمَّا أَخُو النَّوْمَاتِ لا مَرْحَبًا بِهِ*** وَلا بِالجَثُومِ الرَّاكِدِ المُتَدَثِّرِ






    {المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ}: مَنْ أَفْطَرَ شَيْئًا مِنْ رَمَضَانَ لَشَيْءٍ مِنَ الأَعْذَارِ كمَرَضٍ أوْ سَفَرٍ ثمَّ تُوُفيَ خِلالَ أَيَّامِ الشَّهْرِ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى وَارِثِهِ، وكَذَا إِنْ خَرَجَ الشَّهْرُ واتَّصَلَ بِهِ العُذْرُ حَتى تُوُفِّيَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ القَضَاءِ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى وَارِثِهِ -أَيْضًا-؛ لأَنَّهُ لمْ يَتَعَينْ في حَقِّهِ وجُوبُ الصِّيَامِ، ولمْ يَأْتِ يَومٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ القَضَاءِ وفَرَّطَ في القَضَاءِ، وَفي هَذَا يَقُولُ الإِمَامُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَنْ مَاتَ في رُخْصَةِ اللهِ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ".



    أمَّا مَنِ انقَطَعَ عُذْرُهُ وتمكَّنَ مِنْ قَضَاءِ يَومِهِ أوْ أَيَّامِهِ وفَرَّطَ فِيْهَا وقَصَّرَ حَتى عَاجَلَهُ الحِمَامُ قَبْلَ القَضَاءِ فَيَنْبَغِي لِوَارِثِهِ أَنْ يَصُوْمَ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم في حَدِيْثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"، وفي الفَتَاوَى القَيِّمَةِ لسَمَاحَةِ المُفْتي -رَعَاهُ اللهُ-: " إِنْ مَاتَا في عُذْرِهِمَا [أيْ المُسَافِرُ والمَرِيْضُ] فَاللهُ أَوْلَى بعُذْرِهِمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ، وَلا يَنْتَقِلُ هَذَا إِلى الوَرَثَةِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ القَضَاءُ".



    ويُضِيفُ شَيخُنا القَنُّوبيُّ -عَافَاهُ اللهُ-: " مَنْ مَاتَ لَهُ قَرِيْبٌ وَتَمَكَّنَ مِنَ القَضَاءِ وَلَكِنَّه فَرَّطَ في ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الذِي يُقْضَى عَنْهُ؛ كَمَا ثَبَتَ في الحَدِيثِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"، وهُوَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ ثَابِتٌ عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ علَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ-، وهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ صِيَامٍ وَاجِبٍ عَلَى الإِنْسَانِ.. يَشْمَلُ صَومَ رَمَضَانَ ويَشْمَلُ النَّذْرَ والكَفَّارَاتِ عَلَى الرَّأْيِ الصَّحِيْحِ".



    وطَرِيقَةُ الصَّوْمِ: أَنْ يَصُوْمَ وَرَثَتُهُ عَنْهُ بحَسَبِ نَصِيْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الإِرْثِ، ويَكُونُ صِيَامُهُمْ مُتَتَابِعًا، بحيْثُ يُفْطِرُ الأَوَّلُ ويَصُوْمُ الثَّاني بَعْدَهُ مُبَاشَرَةً مِنْ غَيرِ انْقِطَاعٍ في الصِّيَامِ، ويُفَضَّلُ تَقْدِيمُ المَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ في الصِّيَامِ؛ وذَلِكَ لما يَعْرِضُ لِلنِّسَاءِ مِنْ مَوَانِعَ وأَعْذَارٍ شَرْعِيَّةٍ تمنَعُهَا مِنَ الصِّيَامِ، إِلا إذَا تَبرَّعَ أَحَدُهُمْ أو بَعْضُهُمْ بِالصِّيَامِ عَنِ الجَمِيْعِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ.





    فَتْوَى



    السُّؤَالُ/ امْرَأَةٌ دَخَلَ عَلَيْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ وَهِيَ نُفَسَاءُ فتُوُفِّيَتْ فِيْهِ، فَهَلْ عَلَى ورَثَتِهَا شَيْءٌ ؟



    الجَوَابُ/ لا يَلْزَمُ وَرَثَتَهَا شَيْءٌ، لأنَّهُ لَمْ يَأْتِ الوَقْتُ الذِي تُطَالَبُ فِيْهِ بِالقَضَاءِ، فَلا يَلْزَمُ الوَرَثَةَ شَيْءٌ، نَعَمْ هُنَاكَ حَدِيْثٌ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهَا- كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَينِ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا تَمَكَّنَ مِنَ القَضَاءِ ولَمْ يقْضِ بَعْدُ، واللهُ أعلَمُ.



    {المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ}: التوسعُ في الصِّيَام عَنِ الغَيرِ وأَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ أمرٌ لمْ يَأْتِ بهِ دَلِيْلٌ لا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَلا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، ولمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَ الرَّعِيْلِ الأَوَّلِ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ وذَلِكَ لأَنَّ الصِّيَامِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ خَالِصَةٌ كالصَّلاةِ، فَلا يَسُوغُ -مِنْ حَيْثُ الأَصْلُ- أَنْ يَصُوْمَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، كمَا لا يَسُوغُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَصِيَامُ أَحَدٍ عَنْ آخَرَ أَمْرٌ خَارِجٌ عنِ القِيَاسِ، فَلِِذَلِكَ يُقتَصَرُ بِهِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ السَّابِقُ وهُوَ صِيَامُ الوَليِّ عَنْ مُوَرِّثهِ فَقَطْ -كمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا-.



    يقُولُ البَدْرُ الخَلِيْلِيُّ -حَفِظَهُ اللهُ-: " لمْ أَجِدْ دَلِيلاً في السُّنَّةِ عِلَى جَوَازِ أَخْذِ الأُجْرَةِ عَلَى النِّيَابَةِ في الصِّيَامِ عَنِ الميِّتِ، وَإِنَّمَا تَرَخَّصَ في ذَلِكَ أَصْحَابُنَا مِنْ أَهْلِ المشْرِقِ، وَلا أَقْوَى عَلَى الأَخْذِ بهَذِهِ الرُّخْصَةِ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيْلِ عَلَيْهَا، فَلِذَلِكَ لا أَرَى إِبَاحَةَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ وَلا لامْرَأَةٍ".



    وعَلَيْهِ فَمَنَ عَجَزَ عَنِ الصِّيَامِ في حَيَاتِهِ أَو أَوْصَى بِصِيَامٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا يُؤَجَّر عَنْهُ بَلْ يَصُوْمُ عَنْهُ وَليُّهُ أوْ يَكتَفِي بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عَنْ كُلِّ يَومٍ.



    {تَنْبِيْهٌ}: ومَعْنى ذَلِكَ أَنَّ قَضَاءَ الصِّيَامِ لمنْ قَدَرَ عَلَيْهِ في حيَاتِهِ يُعَدُّ مِنْ دُيُونِ اللهِ تعَالى الَّتي يَنْبَغِي لِلوَرَثَةِ قَضَاؤُهَا عَنْ هَالِكِهِمْ بَعْدَ ممَاتِهِ سَوَاءً أَوْصَى بِهِ الهَالِكُ أوْ لمْ يُوصِ، وَلا فَرْقَ بَينَ مَا كَانَ وَاجِبًا في المَالِ كَحُقُوقِ العِبَادِ أو مَا كَانَ وَاجِبًا في الذِّمَّةِ كقَضَاءِ الصِّيَامِ، فَكُلٌّ يجِبُ قَضَاؤُهُ، وكُلٌّ يُخْرَجُ مِنْ أَصْلِ المَالِ لا مِنَ الثُّلُثِ -عَلىَ القَوْلِ المُعْتمَد عِنْدَ الشَّيخَينِ-.



    والدَّلِيْلُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ هُوَ الحَدِيْثُ الصَّحِيْحُ الصَّرِيْحُ: " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ" بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مَعَكَ مِنَ النَّصِّ النَّبَوِيِّ الشَّرِيْفِ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" وَكَفَى بِهِ حُجَّةً ودَلِيْلاً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ الحَقَّ لِنَفْسِهِ مَنْهَجًا وَسَبِيْلاً، فَالزَمْ غَرْزَهُ وإِنْ عَزَّ في السَّلَفِ نَاصِرُهُ، وَ:





    حَسْبُكَ أنْ تَتَّبِعَ المُخْتَارَا *** وَإِنْ يَقُولُوا خَالَفَ الآثَارَا





    {قَاعِدَةٌ}: قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: مَنْ أَوْصَى بِصِيَامٍ جَازَ العُدُولُ عَنِ الصِّيَامِ إِلى الإِطْعَامِ، ومَنْ أَوْصَى بِإِطْعَامٍ لَمْ يَجُزِ العُدُولُ عَنِ الإِطْعَامِ إِلى الصِّيَامِ، والحَمْدُ للهِ عَلَى التَّمَامِ.

    آخر تحرير بواسطة أشرقت نفسي : 26/04/2018 الساعة 07:26 AM
     التوقيع 
    تلقطْ شذورَ العلمِ حيثُ وجدتَها ... وسلْها ولا يخجلْكَ أنكَ تسألُ ... إِذا كنتَ في إِعطائِكَ المالَ فاضلاً ... فإِنكَ في إِعطائكَ العلمَ أفضلُ.

    ربي زدني علمًا وألحقني بالصالحين

الصفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

مواضيع مشابهه

  1. دعوة لقراءة كتاب "المعتمد في فقه الصيام" في حلقات المساجد والمراكز الصيفية
    بواسطة المعتمد في الفقه في القسم: السبلة الدينية
    الردود: 2
    آخر مشاركة: 06/06/2016, 10:23 AM
  2. ~~~|| فقه الصيام من (كتاب المعتمد) ||~~~ << متجدد>>
    بواسطة الليث الهزبر في القسم: السبلة الدينية
    الردود: 18
    آخر مشاركة: 02/07/2014, 01:52 AM
  3. فقه الصيام من كتاب المعتمد
    بواسطة بدر الهلال في القسم: السبلة الدينية
    الردود: 0
    آخر مشاركة: 30/06/2014, 08:15 AM
  4. فقه الصيام من ( كتاب المعتمد )
    بواسطة بدر الهلال في القسم: السبلة الدينية
    الردود: 2
    آخر مشاركة: 28/06/2014, 10:43 PM
  5. الردود: 16
    آخر مشاركة: 08/10/2012, 03:29 PM

قواعد المشاركة

  • ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
  • ليس بإمكانك إضافة ردود
  • ليس بإمكانك رفع مرفقات
  • ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك
  •