سلسلة علماء عمانيون/4- أَبُـــــــو صُفْــــــــرَةَ العَتَكِـــــــيُّ

[العذراء الحزين]

‎بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا


تحدثنا سابقا في هذه السلسلة عن :

سلسلة علماء عمانيون/1- مَازِنُ بْنُ غَضُوبَةَ الطَّائِيُّ
هنا

----

سلسلة علماء عمانيون/2- جَيْفَرُ وعَبْدُ ابْنا الجُلَنْدَى
هنا
--------

‎سلسلة علماء عمانيون/3-وُفُودٌ عُمَانيّةٌ بَينَ يَدَي الرَّسُولِ ﷺ
هنا
-----
وسنكمل اليوم معكم وحديثنا بكون عن :
أَبُـــــــو صُفْــــــــرَةَ العَتَكِـــــــيُّ

]



فتابعونا

‎معلومة عن المصدر*
‎هو كتاب بعنوان سلسلة أعلام عمان الصحابة والتابعون العمانيين
‎للمؤلف والمؤرخ العماني الشيخ سالم البوسعيدي
‎ومن اعداد الفاضل أبو الفاروق
https://twitter.com/alfarooq989/stat...676015104?s=08

[العذراء الحزين]

أَبُـــــــو صُفْــــــــرَةَ العَتَكِـــــــيُّ
* الوَزِيـــــــرُ الخَبِيــــــــرُ *



* نشأ أبو صفرة في أدَمَ، في عائلةٍ شريفةٍ غنيةٍ تنتسب لقبيلةِ العَتيكِ الأزديَّةِ العريقة التي هاجرت من دَبا، وكان اسمه سارِقاً واسم والِدهِ ظالِماً، وبين صحاري أدم وحواريها تربى وكبر، وكان يتصف بالذكاء، وحسن الرأي، حينما كبر أصبح سيِّد أدم، كان رجُلاً طويلاً جميلاً فصيحاً..*

*وكانت أدم سوقاً من أسواق العرب في الجاهلية، وكان ملك عُمـــــان (( الجُلندي بن المُستكبِرِ ))، يذهب إليه كل عامٍ لرعاية الناس الذين يأتون إلى السوق من كل أنحاء بلاد العرب، بين طالبِ تجارةٍ وطالب أمان، وشاعرٍ يريد أن يُنشِد قصيدته، وطالبٍ للصلح وقضاء حاجاته، فسمع ملك عُمـــــان بالفتى العتكي والتقى به، وتأكد له أنه رجلٌ ذكيٌ شجاع مطاع في قومه، فاستدعاه ليكون وزيراً له، وظل كذلك حتى كبر الجُلندي، وسَلَّم أمر الحُكْمَ إلى ولديه جيفرٍ وعبدٍ، وظل أبو صفرة وزيراً لهُما ومستشاراً.*

******


*أنـــــــت أَبُـــــــو صُفْــــــــرَةَ *


*كان أبو صُفرة ممن رحب بإسلام ملكي عُمـــــان جيفر وعبد، وكان كثير المُجالسة لعمرو بن العاص لأنه رسُولُ رسُولِ الله ﷺ، وكان يتشوق لسماع أحاديث الإسلام والنبي ﷺ، وزاد من تشوقهِ الوفود العُمـــــانية التي تذهب لمُلاقاةِ النبي ﷺ في المدينة...*

*وذات يومٍ قرر أبو صُفرة الرحلة إلى المدينة لمُلاقاة الرسول ﷺ، وأخبر ملكي عُمـــــان، فرَّحبُوا بفكرته، وبالفعل رَحلَ أبو صفرة إلى المدينة، قطع الصحاري والقفار بناقتـــــه حتى وصل المدينة، وكان يلبس حُلَّةً صَفراءَ.*


*****


‎ * أنـــــــت أَبُـــــــو صُفْــــــــرَةَ*


‎* فلما رَآهُ النبي ﷺ أعجَبَهُ ما رأى من جمالهِ ولباسِهِ العُمــــاني، فقال له الرسول ﷺ: (( من أنت؟ ))، قال أبو صُفرة: " أنا سارق بن ظالم، أنا المَلِكُ بن المَلِكِ "..*

‎* ابتسم النبي ﷺ وقال له: (( أنت أبو صُفرة، دع عنك سارِقاً وظالِماً ))، فقال أبو صُفرة مُندهِشاً: " أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك عبدهُ ورسُوله، حقاً حقاً يا رسول الله، إن لي ثمانية عشر ولداً ورُزِقتُ بنتاً سميتُها صُفرة ".*

يتبع

[العذراء الحزين]

‎ * طَـــــــردُ الفُــــــــرسِ*


‎* عاد أبو صُفرة إلى عُمـــــان، فاستقبله مَلِكا عُمـــــان جيفرٌ وعبدٌ، وحكى لهُما خبر لِقائِهِ بالرسول ﷺ، وظلَّ معهما، وحينما دعا جيفرٌ إلى اجتماعٍ طارئٍ لِمُناقشة طرد المُحتلِّين الفرس عن الساحل العُمـــــاني، كان أبو صُفرة في طليعة المُتحمِّسين لِلأمرِ..*

‎* وقاد إحدى الكتائب، وكم كانت فرحته كبيرة، حين حقق العُمـــــانيون النصر، ورأى بعينيه خروج الفرس من عُمـــــان، في ذلك اليوم أقام احتِفالاً بهذه المناسبة، وذاق طعم النصر تحت راية الإسلام، ما جعلهُ يعشق الجهاد في سبيل الله، وبقي أبو صفرة يُعَلِّم الناس ويوجِّهُ ويُشير على مُلُوكِ عُمـــــان، ولكن حنينه للجهاد ظلَّ يُطارِدُهُ ليله ونهاره، إنه يريد أن يقدم شيئاً للإسلام الذي أعطاه كل شيءٍ، لقد أحب الإسلام والرسول ﷺ حُباً كبيراً.*

*****


*وَفـــــــاةُ رَسُــــــــولِ الله *

➖
* ذات نهارٍ وصل إلى مسمعِ أبي صُفرة خبرٌ أذهلهُ، وقف مُضطرباً، ثم أخذ سيفه سريعاً، وامتطى حِصـــــانه، مُتجهاً إلى قصر مَلِكِ عُمـــــان، استأذن سريعاً ثم دخل، ووجد جيفراً وعبداً وعمرو بن العاص وجعفر بن الجَشمِ، سلم عليهم، فردُّوا السلام..*

* ثُم نظر إلى وجُوهِهم حزينةً مُتألمةً، فقال: " أحقاً ما بلغني؟! "، رد عليه جيفرٌ: " نعم يا أبا صُفرة "، وأجهش عبدٌ بالبكاء، قال عمرو بن العاص: " أما وقد توفي رسول الله ﷺ، فإني أستأذِنكم في الرجوع إلى المدينة "، قال جيفرٌ وهو يتَنَهَّدُ: " أتتركُنا؟ "، قال له عمروٌ: " لا ولكن للدولة خليفةٌ هو أبو بكرٍ لا بُد من مبايعتهِ "..*

*****

‎ * الخَطِيـــــــبُ الفَصِيــــــــحُ*


‎* خضع الجميع لرأي عمرو، ولكنهم قرروا مصاحبته إلى المدينة، لحمايته في الطريق من المرتدِّين الذين ارتدُّوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول ﷺ، وأيضاً لملاقاة الخليفة أبي بكرٍ ومُبايعته، فكوَّن العُمـــــانيون وفداً برئاسة عبد بن الجلندي وأبي صُفرة العتكي وجعفر بن الجشم ومعهم سبعون فارساً، ولما وصل الوفد إلى المدينة، خرج أبو بكرٍ خليفة المسلمين لاستقبالهم في مسجد الرسول ﷺ، ثم دخلوا المسجــــــــد للصلاة..*

‎* فلما فرغ الناس من الصلاة، قام أبو صُفرة قائلاً: " يا خليفة رسول الله ويا معشر قريش: نحن وفد أهل عُمـــــان جِئنا مُعزين في وفاة رسول الله، ومُبايعين لخليفة رسول الله، وهذا عمرو بن العاص أمانة رسول الله، كانت في أيدينا ووديعةُ رسول الله، فقد برِئنا إليكم منها "..*

‎* ابتسم أبو بكرٍ فقام مُحيِّياً الوفد وهو يقول: " كَفاكُمْ مَعاشِرَ الأزدِ قَولُ رسول الله وثناؤُهُ عليكم "، ثم قام عمرو بن العاص فقال: " جَزاكُم الله خيراً أهل عُمـــــان كُنتم والله نِعمَ العشيرةِ وخير الناس "، فلم يدع شيئاً من الثناء والمدحِ إلا قاله في أهل عُمـــــان، حتى انتهى من كلامه ثم أقبل المُهاجرون والأنصار لِيُسلِّمُوا على عبد بن الجلندى ومن معه، وأقبل أبو بكرٍ على عبدٍ فمسكه من يده وخرجا..*

[العذراء الحزين]

‎ * خُطبَةُ أبي بكر الصّديــقِ*

‎* فلما كان اليوم الثاني أمر أبو بكرٍ بجمع الناس وقام خطيباً، فحمد الله، وأثنى على النبي وقال:*
‎* " معاشِرَ أهلِ عُمـــــان، إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم بِخُفٍ (( إبل )) ولا حافِرٍ (( خيل )) ، ولا عصيتمُوه كما عصِيَهُ غيرُكم مِن العربِ، ولم تَرموا بِفُرقَةٍ ولا تشتت شمل، فَجَمعَ الله على الخير شملكم، ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيشٍ ولا سلاح فأجَبتُمُوهُ إذ دعاكُم على بُعدِ دارِكُم، وأطعتُمُوهُ إذ أمركم على كثرة عددكم وعُدتِكُم، فأي فضلٍ أبرُّ (( أفضل )) مِن فضلِكُم وأي فِعلٍ أشرف من فِعلِكُم، كَفاكُم قولهُ صلى الله عليه وسلم شرفاً إلى يوم المعادِ، ثم أقام فيكم عمروٌ ما أقام مُكرَّماً ورحل عنكم إذ رحل مُسلِّماً وقد منَّ الله عليكم بإسلام عبدٍ وجيفرٍ ابني الجلندي وأعزَّكُمُ الله بهِ وأعزه بكم، كنتم على خيرٍ حتى أتتكم وفاة رسول الله فأظهرتم ما يُضافُ إلى فضلِكم وقُمتُم مَقاماً حمدناكُم فيه، ومحَضتُم بالنصيحة وشاركتم بالنفس والمال فيُثبِّتُ الله به ألسِنتكم ويهدي به قلوبكم، وللناس جولةٌ فكونوا عند حُسنِ ظني بِكم ولست أخاف عليكم أن تُغلبُوا على بِلادِكم ولا أن ترجعوا عن دينكم جزاكم الله خيراً ."*

‎* كانت تلك الكلمات وثيقةً مُهمةً تُشير لِحُسنِ أخلاقِ العُمـــــانيين وسُمعتِهِم الطاهرة بين الصحابة وقوة إسلامهم.*

****

‎ * السَّفيــــــــرُ المُجـــــــاهِدُ*

‎* عاد الوفد العُمـــــانيُّ ولكن بقي عبد بن الجلندي لِيُشارِك في حروب الرِّدةِ، عاد أبو صفرة ومن معه، ولكن لأبي صفرة حظه أيضاً من القتال في سبيل الله، فلما ولّى عُمر بن الخطاب عُثمان بن أبي العاص والياً على عُمـــــان (( عام 15 هـــ )) أمره بِمُقاتلة الفرس فطلب عثمان المشاورة من أهل عُمـــــان، فقال له أهل عُمـــــان: " عليك بأبي صُفرة فإنه حكيمٌ شجاعٌ "..*

‎* ولما جهَّز عثمان الجيش، كان أبو صفرة أحد رُؤساء ذلك الجيش، وصحِب أبو صفرة معه في المعركة أبناءهُ النَّجفَ والمُغيرة وحبيباً، فأرسل كِسرى جيشاً بقيادة شهرك، وقاتل أبو صفرة قتال الأبطال، واشترك أبو صفرة في قتلِ (( قائد الفرس ))، وبعد المعركة قرر أبو صفرة مواصلة الجهاد فذهب إلى البصــــرة حيث استقبله الوالي، ولم يلبث أن خرج لِفتحِ سجِستان، وخرج معه ابنه المُهلَّبُ، وبعد معارك شديدةٍ انتصر المسلمون وفتحوا سَجِستانَ.*

يتبع

[العذراء الحزين]

‎ * فتــــــــحُ كَـــــــابُلَ*



‎* وذَهبَ أبو صُفرة إلى المدينة، فاستقبله الخليفة عُمَرُ بن الخطابِ، فهو الصحابي المجاهد والسفير العُمـــــانيُّ المُطاعُ، والمخلص لدينه، وكان معه عشرةٌ من ولدهِ، كان المُهلب أصغرهم، فجعل عمر ينظر إليهم ثم قال لأبي صفرة: " هذا سيِّدُ ولدِكَ، يعني المهلب "، غير أن البطل ما زال يرغب في مواصلة الفتوحات والجهاد في سبيل الله، وكان يترقب أخبار الفتوحات، ويرجو أن يخرج في أحد الجيوش الفاتحة..*

‎* وذات يومٍ وصلهُ خبر خروج الجيش الإسلامي لِفتح كَابُلَ، فرِحَ وهو يقول: " العُمـــــانيُّون أدرى الناس بفتوحات الشرق "، ولم يعبأ من يقود الجيش، المهم أنه أراد الجهاد في سبيل الله، فخرج في الجيش ومعه ابنه المُهَلَّب، وكان وولده المهلب سيِّدي فُرسان الجيش، فقد كان المهلب أحد أبطال فتح كابل حيث أصَابَ ملك كابل أثناء المعركة، مما اضطرَّهُ إلى الاستسلام وعقدِ الصُّلحِ مع المسلمين وإعلان إسلامهِ.*

*******

‎ * الوَلِــــــــيُ المُجــــــاهِدُ*


‎* ثُم بعد ذلك عاد أبو صُفرة إلى البصرة، حيث التقى بالإمام علي بن أبي طالب، الذي خذلهُ (( خانه )) بعض الناس وذهبوا مع قائد المُتمردين مُعاوية بن أبي سفيان، فَرِحَ الإمام عليٌّ بأبي صُفرة، واستقبلهُ خيرَ استقبالٍ، وحين جلسا قال لهُ: " يا أبا صُفرة ما لقِيتُ من أحدٍ مثل الذي لقيتُهُ من قَومِكَ "، فقال أبو صُفرة: " والله يا أمير المؤمنين لو كُنتُ حاضِراً ما اختَلَفَ عَليكَ مِنهُم سَيفَان "، فأُعجِبَ الإمام بكلامِ أبي صُفرة، ودَعَا لهَ ووَلّاهُ (( جعله والياً )) نرتيرَتَ ومناذِرة الكُبرى، ووَلّاهُ أيضاً رِئاسَة الأزد، وقال لهُ: " جِئني بِبَعضِ وُلدِكَ لِأعقِدَ لهُ لِواءً يكُونُ شَرَفاً لهُ "، فذهب أبو صُفرة وأحضَرَ ابنَهُ المُهلبَ وهو غُلامٌ ابن نَيِّفٍ وعشرين سنةً، فدَخَلَ المُهَلبُ على الإمام عليٍّ فمسَحَ مُقدِّمَ رَأسِهِ إلى قَدَميهِ وَعَقَدَ لهُ رايةً وقال: " اللهُم ارزقهُ الشَّجاعَةَ والسَّخاءَ والنُّهى "، وعقد لهُ راية الأمانِ وأمَرهُ أن يَسِيرَ نَحوَ الأهوازِ والبَادِيةِ، ورَجَعَ معظم الفارِّين إلى البصرة واستبشر الناسُ خيراً بِرايةِ المُهلبِ، وبعد كُلِّ تِلكَ السَّنواتِ والتَّجَارِبِ والمَلاحِمِ والمَعارِكِ والمَفاخِرِ تُوفِيَ أبُو صُفرة بِالبَصرَةِ في أيَّام ولايةِ ابن عباسٍ عليها لعلي بن أبي طالبٍ وصلَّى عليه ابن عباسٍ ثم قال بعد أن دفنه: " دَفَنّا سيِّدَ الثُّغرَةِ "، ذَلِكُم هو أبُو صُفرَةَ العتكيُّ العُمـــــــانيُّ.*

‎ :وردة:وفي الموضوع القادم:وردة:
‎ * عَبْدِاللهِ بن وهَـــــبٍ الرّاسِبيِّ

فكونوا بالقرب
**

[ابو اركان السليمي]

ما شاء الله عليك .. ونعم الرجال

استمري بارك الله فيك