نعجز أحياناً عن فهم الآخرين ومعرفة طباعهم وما يحبّون أو يكرهون، ولأنّ البشر مجبولون من المشاعر المتناقضة، فلا داعي أن نُتْعِبَ أنفسنا بتحليلهم لكي نجيد التعامل معهم، ففي الواقع حتّى أشهر وأبرع علماء النفس عبر التاريخ عجزوا عن فهم الإنسان بشكل دقيق، وهو مازال يفاجئ نفسه كلّ يوم بشيء جديد.


بقلم: يحيى السيد عمر





المطلوب هو بعض الانتباه إلى الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقة مباشرة، لكي ندرك طبائعهم في الحالات المختلفة.. وكما نعلم، إنّ لكلّ شخص طباعاً مختلفة عن غيره، لذلك يجب التعامل معه بطريقة مختلفة عن غيره.

وفي إدارة مؤسسة ما قد نجد صعوبة في تحديد ما يحفّز الموظّفين على العمل أو يحبطهم فيقلّ إنتاجهم، وبالتأكيد تعدّ هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لسير العمل، لأنّ فقدان الحافز يفقد الموظّف القدرة على العطاء، وهنا يجب على المدير فهم احتياجات موظّفيه ومعرفة ما يحفّزهم على اختلاف طبائعهم.

فليس ما يحفّز (سيناً) من الناس، هو ما يحفّز (صاداً) منهم، ومن المعروف للجميع أن التحفيز قسمان: مادي ومعنوي، ومن السهولة بمكان معرفة ميول الموظفين وفهم ما إذا كان حافزهم مادياً أو معنوياً، ليتمّ التعامل معهم وفق هذا الأساس.

فمن يكون حافزه مادّياً، لن تؤثّر فيه عبارات الشكر والمديح مهما تكرّرت على مسامعه، ولن يزيد من إنتاجه أن يقول له مديره: أنت موظّف متميز وأشكرك على جهودك، لأنّ الشيء الوحيد الذي يستطيع تحفيزه على العطاء هو المال، فقدّم له مكافأة مادية، أو زد راتبه، عندها ستحصل على نتائج مذهلة!.

أمّا الصنف الآخر من الموظّفين، فمهما قدّمت له من حوافز مادية، فلن تحصل على ما تريد من نتائج، لأنّ مفتاح إبداعه (كلمة)، وحين يسمع منك عبارة مديح أو شكر على عمله، ستجده مستعدّاً للمزيد من العطاء، ولن يتردّد في بذل المزيد من الجهود مع كلّ عبارة إطراء أو مديح.

قد يصعب تصديق ما للكلمة من أثر في نفوس بعض الناس، لأننا اعتدنا على براغماتية البشر، واعتدنا أن نراهم يسعون وراء مصالحهم ومكاسبهم المادية، وبالتأكيد إنّ المادة في غاية الأهمية، لأنّها أساس لاستمرار الحياة الكريمة، ومن خلالها يستطيع الإنسان توفير كلّ احتياجاته والمضيّ باتجاه مستقبله ومستقبل أبنائه.

لكن توفّرها ليس كافياً لكي يحيا الإنسان برضى وسعادة، ولاسيّما حين يكون من الصنف الثاني ذي الحافز المعنوي، والذي يمكن لكلمة طيبة أن تشحن طاقاته بشكل كبير، ويمكن لكلمة مزعجة أن تحبطه وتثبّط من معنوياته، فتقتل إبداعه.

هذا الكلام لا ينطبق على الموظّفين والعمّال فحسب، وإنّما طبائعنا تغلب علينا في كلّ مواقع وجودنا، وشخصيّاتنا هي ذاتها في العمل والبيت والشارع وبين الأصدقاء، لذلك علينا أن ننتبه في تعاملنا مع الناس والأقارب والأصدقاء إلى ما يقرّبنا منهم أو يبعدنا عنهم، فقد نخطئ أحياناً دون أن ندري، بأن نوجّه انتقاداً ما بشكل مباشر، فيجرح الطرف الآخر ويتألم، وقد يصمت من باب الاحترام، وربّما تمضي المسألة ولا نفكّر بها، لكنّنا لا نعلم كم تركت من أثر بالغ على الآخر!.

وسواءً في العمل أو في الحياة الاجتماعية، علينا أن نتذكّر أننا من لحم ودم، وأننا كائنات اجتماعية لا تستطيع العيش بمفردها، لذلك علينا أن ندرس كلماتنا وتصرّفاتنا جيّداً، وفي الواقع، لا يهمّ إن كان الطرف الآخر ماديّ التحفيز أو معنويّ التحفيز، وإنّما ما يهمّ هو أسلوبنا في التعاطي معه، لأنّه في الحالتين سيكون راضياً إذا ما سمع كلمة طيبة، وكما أسلفت سابقاً، قد لا يؤثّر الكلام بموظّف يفضّل المكافأة المادية، لكنّه بالتأكيد سيؤثّر به كإنسان، وسيجعله يعلم أنّ هناك من يقدّره، فتصبح مطالبته بمكافأته المادية أكثر لطفاً، لأنّ ردّات فعل الآخرين ما هي إلّا انعكاس لأفعالنا وتصرّفاتنا معهم.. والله سبحانه وتعالى يحثّنا على التعامل اللّيّن واللطيف مع الآخرين، فيقول عزّ وجلّ: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.. لذلك فلنعمل بهذا المبدأ، وليكن طيب الكلام أساس تعاملنا مع الآخرين.

لتحميل المقال بصيغة PDF يرجى الضغط على الرابط التالي:


مقال طيب الكلام بقلم يحيي السيد عمر