- محرك البحث العام
- المركبات
- الأراضي
- العقارات
- الوظائف
رؤية النتائج 1 إلى 10 من 10
-
28/09/2017 12:24 PM #1
هـــيــروشـــيـمـا .. ذاكــرة الـدمــع
هـــيــروشـــيـمـا .. ذاكــرة الـدمــع
كعادتها .. تتدثر هيروشيما بأديم الزرقة السماوية ، وتغفو في قيلولة صبح صيفي مشمس ..
الأجواء هدوء رغم الحرب ويومياتها المؤلمة وبهارات الإشاعات التي لا تتوقف عن قرب نصر شمس الشرق الأبدية وهزيمة راعي البقر ..
في مقهاه المعتاد ؛ يجلس شــوجيرو يقرأ صحف اليوم دون أن يغير من طريقة جلوسه على الكرسي حيث الساق موضوعة فوق الأخرى رغم ما يبدو على وجهه اليوم من كآبة ووجوم ..
منذ استيقظ صباحا وهو بمزاج سيء و يحس بشيء ما يثقل كالصخر على صدره .. شيء غامض لا يعرف مصدره وزاد عليه ذاك الكابوس المرعب الذي حلمه الليلة الفائتة ؛ وحش بشع الخلقة بعين نارية واحدة يبتلع مدينة كاملة في جوفه !!
يهز رأسه محاولا نسيان أو تجاهل ما رأى ..
ــ إهدأ يا شو .. لا تكن سخيفا .. إنه مجرد حلم !!
يهرب من هذا التفكير إلى الجريدة .. يفردها .. على الصفحة الأولى يقرأ بتململ وضجر البنط الصحفي العريض البارز أمام عينيه بخط أسود مثل دخان نفاثات ( الزيرو ) :
= إنتصارات ساحقة لجنودنا وأنباء عن إستسلام ضابط أمريكي برتبة كبيرة
ــ هراء . ســخـافـات !!
لم يكمل القراءة ورمى بالصحيفة جانبا وكأنه ينفض من يديه كذب العالم وخداعه ثم تنهد مكتئبا !!
تكثفت كآبته حتى شعر باختناق وحر يكادا يكتما أنفاسه فأسرع يفتح زرين من أزرار قميصه الخفيف ثم نادى الجرسون طالبا كأس ماء بارد . كان الضيق يتراص واضحا على جبهته في موجات أفقية متعرجة جعلته يبدو كأنه كهل في السبعين !!
فور وصول الماء إليه شربه دفعة واحدة ثم تمتم ساخرا وهو يشير بيده إلى الجريدة :
ــ بهذا الكذب المجاني اليومي ستنتصر الشمس . هع !!
وأشاح بوجهه ناظرا إلى الشارع المليء بأقدام ووجوه الناس المتحركة وبالسيارات والضجيج كأنه يرى فيه كل بؤس الحياة ..
لكن مرأى إثنان - رجل وامرأة - واقفان يتحادثان عند عمود إنارة أعاد إلى ذهنه نقاش البارحة الذي كان مع زوجته أكيكو والتي اقترحت عليه الرحيل بالأسرة إلى طوكيو والعيش فيها ريثما تضع هذه الحرب اللعينة أوزارها وتنتهي ..
كانت أكيكو تتذرع أكثر في حجتها بوالدتها المريضة على الدوام والتي في وضع صحي أصبح من سيء إلى أسوأ بعد تحويل جزء كبير من المستشفيات والأطباء والأدوية لصالح الجنود و المجهود الحربي !!
غير أن شوجيرو لم يكن مقتنعا تماما بالفكرة وكان في أعماق أعماقه يرى أن الرحيل من هيروشيما يعني إقتلاع مؤلم لشجرة جذوره وذكرياته وما بالسهولة سيتأقلم مع المكان الجديد والناس الذين فيه ؛ وحجته كما وضحها وأظهرها هو الآخر لأكيكو هي أن طوكيو العاصمة لن تكون بمأمن من القصف الجوي و ستكون في الأيام القادمة هي الأكثر إستهدافا من كل مدن اليابان الرئيسية " تماما مثلما يفعلون الآن ببرلين حسبما سمعنا من أخبار مؤكدة !! "
ويضيف معززا حجته هذه بتبرير ثان قوي ورغم وقاحته و ما فيه من خدش لمشاعر أكيكو إلا أن شوجيرو لم يتردد عن مصارحتها به :
ــ بيتنا كما ترين صغير جدا وبالكاد يكفي لايوائنا أنا وأنت وإبنينا !!
إنزعجت أكيكو ليس من كلام شوجيرو الذي يكاد يغلق في وجهها كل باب بحججه القوية و لكن من واقع الظروف السيئة التي هم فيها فعلا كأسرة وفي ذات الوقت كانت تصعب عليها أمها المسكينة المتروكة وحيدة هناك في طوكيو !!
ــ شو .. فكر معي أرجوك في حل ..
وغاص الإثنان في الصمت يفكران وهما متمددان على السرير ..
مرت دقائق بينهما دون كلام ثم تحمحم شوجيرو و قال وهو يحك ذقنه :
ــ حسنا .. إسمعي يا زوجتي وجدت حلا .. سأجلبها من هناك لتعيش معنا هنا ، أما السكن فسأحاول تدبيره بإقناع جارنا فوجي بتأجيري تلك الحجرة الفارغة الآن والقريبة جدا من بيتنا والتي كان يسكن فيها الطالب إبن كيوتو ..
قفزت أكيكو من رقدتها وانتصبت جالسة وهي تقول بفرح مندفع :
ــ رائع جدا يا شو .. إذن سأتصل بأمي الآن لتتجهز !!
إعترضها قائلا بحزم :
ــ ليس قبل أن أخبر فوجي بالأمر وأسمع رده .. تمهلي ..
وأضاف :
ــ ظروف ذلك الطالب غامضة وقد رجع بالأمس إلى مدينته ليحضر جناز والده المتوفي وسمعت أنه ربما لن يعود إلى هيروشيما أو ربما يعود ومعه عائلته .. لست متأكدا فلم ألتقي بفوجي منذ يومين لأعرف منه الحقيقة بشكل أوضح وأكيد ..
إنكمش وجهها وظلت واجمة، غير أنها وبأمل مقاوم قالت بعد لحظات :
ــ على العموم أنا بدوري غدا صباحا سأخبر ساكورا .. إنها جارة طيبة وصديقتي وسيسرها مساعدتنا والتوسط لنا في هذا الأمر مع زوجها !!
لم تكد تمضي دقائق قصيرة على شرود ذهن شوجيرو حتى أضيئت السماء فجأة بضوء قوي خاطف ومفزع وفيه ألوان طيف نادرة لأول مرة تشاهد ..
بــرق ؟!
عجبي !!
كيف لمع وسماء هيروشيما من دون ســحـاب ؟!
بأسرع من ثانية إختفى شوجيرو من الوجود هو وجريدته وطاولته والكأس الذي كان على تلك الطاولة . بل المقهى بنادله وبمن كانوا فيه اختفوا .. المباني الخشبية التي كانت متلاصقة بشكل طولي على جانبي ذلك الشارع صارت بمن فيها من بشر ومخلوقات وأشياء رمادا ودخانا ..
قبل هذا الحدث المهول بثوان كانت أكيكو تضحك عبر الهاتف مع جارتها ساكورا آخر ضحك في دنياهما !!
جارها فوجي الذي وافق على تأجير الغرفة .. ذاك الهادىء دوما رغم الحرب العصبية يتحول شبحا بشعا بلون الفحم ودون ملامح واضحة . يصرخ في الظلمات . يســعـل باستمرار . يفرغ معدته . يهــذي .. يـنـهــار ..
الجثث والأطراف والجماجم المتفحمة والمسحوقة تملأ الساحات بالآلاف وكثير منها كان طافيا مثل الدمى مع من قفزوا في النهر بالنار التي كانت مشتعلة فيهم .
فوجي صباح اليوم التالي وجدوه جثة متيبسة ، سرعان ما جُـرفت ضمن آلاف الجثث التي تطلب الأمر إزالتها بالجرافات من المدينة المنكوبة أو من كانت يوما مدينة !!
أما الجار سـامـوتـو ..
سـامـوتـو ذاك الضاحك دوما والمستهتر بالحرب ، فقد تصنم وسط الساحة كإلـه الحب !! شكلا ممسوخ الصورة لكن بملامح إنسان محترق ميت !!
الأرض يباب بعد حياة صاخبة كانت !!
ســجـل يـا تــاريـخ !!
هيروشيما تصبح ومضة ذكرى !!
ألبوما من صور بالأبيض والأسود لما قبل وبعد الموت !!
و ( بــول تــيـبـتـس )
بــول تــيـبـتـس !!
ذاك الطيار الأمريكي الأحمق ، ينعطف بطائرته في أقصى ســرعة . يهرب بجريمته النكراء مأخوذا بالفطر العنقي اللهبي المتصاعد نحو الأعلى كالعملاق المارد !!
يهرب وبالوجه حروق وخموش وصفع من رب غاضب !!
وعلى الأرض المحروقة ختم بالجرم الفاضح
ورفاقه من جند الجوية ســعـداء !!
ــ ها قد عاد إلينا بــول !!
عاد نعم ..
لكن ظلت تلك الندب بوجهه ، أما صخرة قلبه فقد قالت وبالحرف الواحد :
ــ نـحـن نـنـفـذ أمــر القـــادة !!
هيروشيما !!
هيروشيما !!
يا ذنب القرن العشرين !!
يا آب العار الإنساني الصعب الإمحـاء !!
هيروشيما !!
صلاة من صمت ودموع !!
ذكرى لا تنسى .. ننظر عبر نوافذها الأربع إلى ماضي الإثــم وإلى أوشــام الخــزي الأبـدي على جسد هذا العالم ..
هيروشيما !!
هيروشيما !!
يا درس الأمس القـاســي !!
أنت الدرس الأكبر للعالم !!
لكن ما من أحـد إســتـوعب درسـك أبدا !!
مازال البعض بنفس الروح الهمجية وحماقات غرور الأمس !!
أعمى يغـويـه الشيطان فيمضي ..
ولا فـكــرَّ يـومـا كيف يــتـوب !!
بقلمي : ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
آخر تحرير بواسطة سعيد مصبح الغافري : 28/09/2017 الساعة 04:03 PM
-
مادة إعلانية
-
.
ما فكر ولن !
حرف وفكر راقي
شكرا للكاتب الجميل .
-
06/10/2017 07:49 PM #3
-
هذا النص ليس إنجازا لك فحسب بل للساحة الأدبية في سلطنتنا الحبيبة وفي السبلة بصفة عامة وخاصة بعد أن توارات أساطينها مع محاولة شريفة ملموسة من بعض قاماتها بتثبيت مجدها الذي لن ينضب وإن خفت مع أرق التحيات للاقلام الناشئة التي لها طابع ملموس.
وعودة للنص أعجبتني لغته أعجبتني الثقافة العالية التي امتزجت بالأسلوب الرصين للسرد .حقا أنت من الأبطال القدامى المحاربين سيدي الكريم.
تقبل مروري البسيط
-
08/10/2017 12:59 AM #5
أي شرف عظيم هذا الذي شرفتني به أخي الغالي الشاعر والاديب القدير الكبير خلقا وقلما / جاسم القرطوبي
أشعر بشديد الضآلة أخي أمام إطرائك الذي قلته في حقي وقد لا أستحقه فعلا فما أنا سوى أبجدية مازالت تحبو على بساط الكتابة.
يوما إن عشت سأهديك كتابا صغته لاحبتي بحبر الروح وجمر الوجع الصامت إن شاء الله
شكرا ألف شكر لك أخي جاسم
عميق محبتي واحترامي لك
-
-
08/10/2017 10:52 AM #7
فكر ولج يحيي فينا واقعة أليمة ألمت بمدينة عظيمة ومحتها محو الممحاة بلحظة ما ، لحظة استنزفت دماء وأرواح لا تحصى شيئ عار مخزي جدا مدمي حقا ، شكرا لقلمك الجميل عشنا معها واقعة من ثمرة خيانة عظمى وكأن الحدث يتكرر للمرة الثانية......
بإختصار سرد تعدى مقامات الأحرف ..شكرا لك
-
12/10/2017 06:29 PM #8
-
13/10/2017 02:04 AM #9خاطر
- تاريخ الانضمام
- 27/08/2017
- الجنس
- أنثى
- المشاركات
- 15
نص جداا ثري وكارثي بكل معنى الكلمة..
جدا استمتعت..
ابدعت بانتظار قادم النصوص..موفق
-
14/10/2017 06:24 PM #10