العبقري هي لفظة غريبة الأصل , منتشرة الاستخدام , حيث اشتقها العرب من واد "عبقر" , وهو وادي كان يعرف على
أنه مأهول بالجن , ثم أصبحت بعد ذلك تطلق على كل عمل أو فكر خارج عن المألوف , فوق المعتاد عليه , الكاسر للروتين الفكري , أو العمل المتكرر , يحوي في مضمونه على الإبداع المطلق , سوى كان هذا الإبداع إبداعا فكريا , أو عمليا , أو فنيا , أو سياسيا , أو اقتصاديا , أو عسكريا ومن غرابة الأمر أن هذه اللفظة أصبحت كثيرة الاستخدام في الغرب , مقارنة باستخدامها هنا عندنا في الدول العربية , وخاصة الخليجية , وكأن العبقرية والذكاء والفطنة والنبوغ , مقتصر على كل ما هو غربي , أو أجنبي ,أو أي شيء دخيل على مجتمعاتنا , وربما أحد مسببات قلة استخدام هذه اللفظة هنا في الدول العربية ,راجعة لعدة عوامل منها: الخوف و الشعور بالدونية , والنقص الذي يهيمن على عقول شبابنا الناشئين فنادرا ما نجد شخص عربي أطلق عليه إجماعا _في الوطن العربي _صفة العبقرية .ولكوني أحد من صادف الكثيرين ممن درست معهم العلوم المختلفة ,وخاصة تلك العلوم التي تحتاج إلى قدر هائل من الذكاء , والفطنة , والنباهة , ورجاحة العقل , مثل: الرياضيات , والفيزياء , والكيمياء , والهندسة. فنادرا ما نجد دكتور في الجامعة التي درست فيها يطلق على طالب صفة عبقري , من باب التحفيز , أو رفع المعنويات .ولو كنا في أحد الجامعات الأجنبية لوجد الشخص العبقري الكثير من الحوافز لرفع المعنويات , ولربما تبنته أحد الشركات الكبرى للعمل معها , عملا جزئيا أثناء الدراسة الجامعية , وهذا ما يعرف عندهم بالعمل الجزئي (Part time) .وتعد هذه الفرصة من الفرص الرائعة التي تتاح لهؤلاء الطلبة , ولذلك لصقل مواهبهم , واستغلال أوقات فراغهم بعمل مفيد , وعمل حيوي , يعود له ولبلده بالفائدة ,ويرفع من مستوى الإنتاجية الكلية للبلد , ويحفز الشباب على الإبداع , واستغلال مواهبهم في أشياء قد تعود بالخير الوفير وهذه حقيقة ميزة تفتقر لها جامعات السلطنة , وتتميز بها الجامعات الغربية .
في الجامعات العمانية مثلا تنتشر الجماعات الطلابية , والأنشطة الغير صفية , وهذا عمل يشكر عليه كل القائمين على هذه الجهود الجبارة , ولكن الملاحظ في هذه الأعمال أنها تركز على المواهب فقط , وتصقلها , مثل المواهب الأدبية ,أو الفنية , أو الابتكارية .ولكنها تتناسى كثيرا عباقرة المجالات العلمية , أمثال المبدعين في الرياضيات , أو الفيزياء ,أو الكيمياء , الذين يتمتعون بقدرات عالية في حل المسائل , وإيجاد حلول المشاكل , الذين يعشقون لغة التحليل , والأرقام وهذه القدرات الإبداعية لا يمكن للمهرجانات ولا الجماعات الطلابية أو الأنشطة الجامعية أن تظهرها , أو أن تنميها , أو تصقلها. فيظل الطالب حبيس لأفكاره , وقدراته , لا يملك سوى أن يهدر الوقت , وهو يفكر في إيجاد طريقة ,أو البحث عن وسيلة تملأ أوقات فراغة .فيتولد لديه فراغ كبير , ووقت مهدور كثير , لا يملك إلا أن يجر أذيال الحسرة والألم والحزن والضيق ولقد أثبت الواقع أن العباقرة هم أكثر الناس عرضة للإصابة بالأمراض النفسية , الخطيرة , التي تهدد صحتهم , وتبدد طاقاتهم .حيث يعد مرض الاكتئاب أحد هذه الأمراض الخطيرة , والتي تكثر في مجتمعاتنا الحالية ,لذلك اناشد كل مسؤول في الجامعات العمانية , أن يوجهون اهتمام كبير لهؤلاء الثلة _ التي وإن كانت قليلة_ وذلك بمنحهم إهتمام خاص بإلحاقهم بشركات في دوام مؤقت أو تكليفهم بعمل بحوث علمية يتشاركون بها مع دكاترة أقسامهم , أو ينضمون لهم مسابقات عليمة دولية أو عالمية فيفرغون طاقاتهم فيها , أو تقوم هذه الجامعات بتشكيل جماعة خاصة تضم عباقرة الجامعة كلهم ويتم تعينهم بمساعدة أناس متخصصين وبشهادة علماء ودكاترة ويتم تكليف هؤلاء بإعداد مشاريع حيوية تخدم السلطنة أو يوعز إليهم بمشكلة تواجه السلطنة في أي قطاع من قطاعاتها ويكلفون بحلها ثم يعرض الحل على سلطات عليا مثل مجلس الوزراء أو مجلس الشورى.
التكريم الذي تقوم به الجامعات هو وسيلة لا بأس بها , لكن لن تغير شيء من واقع أن هؤلاء يملكون أوقات فراغ كثيرة , لن تتمكن الأنشطة الطلابية , أو الجماعات الجامعية , بتفريغها, حيث أثبتت الدراسات النفسية لعباقرة العالم أن هؤلاء يحبون العمل المفرد , ولا يجيدون الاختلاط الاجتماعي الكثير بالناس , فتجدهم يعشقون العمل المفرد , والتفكير المستقل , لذلك تولدت لديهم ميولات إبداعية اختلفت عن باق البشر فطبيعة الجماعات الطلابية هي العمل الجماعي المختلط ويغلب فيها العمل الروتيني الممنهج وفق خطة رئيس معين يوجه لهم هذه الإرشادات.
كلنا أمل أن تقوم هذه المؤسسات العلمية من جامعات أو كليات بعملها الواجب , للأخذ بأيدي هؤلاء إلى النور , وبمنحهم
الحق في العيش حياة ملؤها النجاح والإنجاز والتفوق , وذلك بالقضاء على أوقات الفراغ التي يضجرون منها , وبشغل أفكار هؤلاء العباقرة ببحوث ودراسات ومشاكل علمية , لعل وعسى عمان تزخر يوما بمثل هؤلاء.