حاتم الطائي ....


"أيام معدودات" ونُودِّع شهر الصوم والخير والبركة, ونستقبل عيد الفطر المبارك, وهو مُناسبةٌ لطيفةٌ كريمة, تعود فيها البسمة والفرحة إلى القلوب.

وكلّما حلّ العيد جدّد حلوله كثيراً من الذكريات الجميلة التي عمرت بها أيام الصبا والشباب، تلك الأيام التي كان للعيد فيها طعم ومذاق غير ما نطعمه اليوم.

إنّ العيد وقت تجديد وفرحة واستذكار، وفي بلادنا له نكهة عذبة ومذاق خاص وبشر وابتهاج في التهاني والزيارات والأكلات والرحلات، فالعيد كلمة حلوة الجرس يخف نطقها على اللسان ويحسن وقعها في الأذن. فهي كلمة جميلة تنشرح لها النفوس وتهش لها القلوب، لأنّها تحمل معاني جميلة منها السعادة والمسرة والهناء والفرحة.

هو يوم السلام، والبشر، والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير.. يوم الثياب الجديدة على الكل إشعاراً لهم بأنَّ الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم.

يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون النّاس جميعاً في يوم حب.

يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كلّ فم لتحلو الكلمات فيه.. يوم تعمُّ فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة.

ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى النّاس نظرة ترى الصداقة.

ومن كلّ هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة.

ويأتي العيد كجائزة إلهية لعباده الطائعين المخلصين عقب فراغهم من أداء ما كتبه عليهم وكلّفهم به، فعيد الفطر يأتي عقب شهر الصيام وعيد الأضحي يأتي عقب أداء فريضة الحج، وفي هذا دلالة عظيمة من وجهين، الأول: أنّ من تعب واجتهد لابد له من مكافأة يفرح بها ويسعد كنتيجة طبيعية لقوله تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان".

الثاني: أن الإنسان يجب أن يجد ويكد من أجل أن يصل إلى مرحلة الفرحة والسعادة المتمثلة في العيد، فعيد الطالب المجتهد – مثلاً- هو اليوم الذي تُعلن فيه النتيجة ويجد نفسه قد حصل على أعلى المعدلات وتهيأ للانتقال إلى عالم أكثر رحابة من حيث الدراسة والوظيفة وغير ذلك.

وعيد الموظف حينما ينجز المهمة الموكلة إليه بنجاح فينفع نفسه ويرقى بالمؤسسة التي يعمل بها.. وهكذا تتنوع الأعياد في حياتنا وإن كان القاسم المشترك بينها هو تلك الفرحة والسعادة التي تغمر الذات الإنسانية وتطفو على ملامحها لتنسج منظرًا بديعًا، بعد أن يؤدي الإنسان ما فرض عليه أو طُلِب منه أو كُلّف به.

يأتي العيد ليجمع شتات المجتمع بعدما ساهمت وتيرة الحياة المتسارعة وطغيان التكنولوجيا في شرذمة العلاقات الاجتماعية وتقطيع أواصرها، ويعلن أنّه قد آن الأوان ليلتئم الشمل ويتلاقى الأحبة وتصفو النفوس وتتخلص من الضغائن وتسمو فوق الأحقاد معلنة للجميع أن "كلكم لآدم وآدم من تراب".

وفي بلادنا العربية يأتي العيد هذا العام وكثير منها تئن تحت وطئة التقاطع والتدابر السياسي، والصراعات المذهبية والأيدلوجية، والحال في مصر قلب العرب النابض وقاطرة تطوره ونمائه، ينبئ عن غياب تام لمقاصد العيد ومعانيه، فالمصريون هناك في أرض النيل والأهرامات منقسمون على أنفسهم في صراعات سياسية كنت أتمنى أن نعطيها إجازة "حتى حين" لكي يفرح الناس مع ذويهم ويعيشون أجواء العيد ومعانيه ويلتقطون الأنفاس من أجل تفكير وقرارات أكثر هدوءًا تجمع شتات المتناحرين وتؤلف قلوب الجميع على كلمة سواء.

وفي سوريا لا تزال آلة القتل تعمل ليل نهار، لا تفرق بين مؤيد ومعارض، فالفتنة لا تفرق بين هذا وذاك، وقد رفض السوريون هدنة يراجعون فيها أنفسهم خلال شهر رمضان دعا لها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قبل نحو شهر فهل يقبلون هدنة في العيد يتذوقون فيها طعم الراحة ويريحون فيها آذانهم من أصوات الرصاص وراجمات الصواريخ وتحليق الطائرات؟.

أدام الله على بلادنا نعمة الهدوء والاستقرار، وأسبغ عليها من نعمه وعمّها بفضله الجزيل، وأدام لها باني نهضتها وصانع مجدها جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه، يبني ويُشيّد ويُضيف إلى منجزاتها في كل يوم الجديد، لتقف عمان شامخة عالية القامة بين الأمم والشعوب.. اللهم آمين.