نصُ الحديث وتخريجهُ:

عن أبي أمامةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: " إذا مات الرجل فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: " يا فلان ابن فلانة ! " ، فإنه سيسمع ، فليقل: " يا فلان ابن فلانة ! " ، فإنه سيستوي قاعداً " ، فليقل: " يا فلان ابن فلانة ! " ، فإنه سيقولُ له: " أرشدني رحمك الله ! " ، فليقل: " اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . فإن منكراً ونكيراً عند ذلك كل واحد يأخذ بيد صاحبه ويقول: " قم ، ما تصنعُ عند رجلٍ لقن حجته ؟ " ، فيكونُ اللهُ حجيجهما دونه.

قال العلامةُ الألباني في " الضعيفةِ " (599): " منكرٌ: أخرجهُ القاضي الخلعي في " الفوائدِ " (55/2) عن أبي الدرداء هاشم بنِ محمدٍ الأنصاري: ثنا عتبةُ بنُ السكنِ ، عن أبي زكريا ، عن جابرِ بنِ سعيدٍ الأزدي قال: " دخلتُ على أبي أمامةَ الباهلي وهو في النزعِ ، فقال لي: " يا ابا سعيدٍ إذا أنا متُ فاصنعوا بي كما أمر رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أن نصنعَ بموتانا فإنه قال: " فذكرهُ ... "

قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً ، لم أعرف أحداً منهم غيرَ عتبةَ بنِ السكن ، قال الدارقطني: " متروكُ الحديثِ " ، وقال البيهقي: " واهٍ منسوبٌ إلى الوضعِ " .

والحديثُ أورده الهيثمي (3/45) عن سعيدِ بنِ عبدِ اللهِ الأزدي قال: " شهدتُ أبا أمامةَ ... الحديث . وقال: " رواهُ الطبراني في " الكبيرِ " وفي إسنادهِ جماعةٌ لم أعرفهم " .

قلتُ: فاختلف اسم الرواي عن أبي أمامةَ ففي روايةِ الخلعي أنهُ جابرُ بنُ سعيدٍ الأزدي ، وفي روايةِ الطبراني أنه سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الأزدي ، وهذا أوردهُ ابنُ أبي حاتمٍ (2/1/76) فقال: " سعيدٌ الأزدي " لم ينسبهُ لأبيهِ ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، فهو في عداد المجهولين ، فالعجبُ من قولِ الحافظِ في " التلخيصِ " (5/243) بعد أن عزاهُ للطبراني: " وإسنادهُ صالحٌ ، وقد قواهُ الضياءُ في " أحكامهِ " ، وأخرجهُ عبدُ العزيزِ في " الشافي " ، والرواي عن أبي أمامةَ سعيدٌ الأزدي بَيَّضَ له ابنُ أبي حاتمٍ " !

فأنى لهذا الإسنادِ الصلاح والقوة وفيه هذا الرجلُ المجهولُ ؟ بل فيه جماعةٌ آخرون مثلهُ في الجهالةِ كما يشيرُ إلى ذلك كلامُ الهيثمي السابقِ ، وهذا كلهُ إذا لم يكن في إسنادِ الطبراني عتبةُ بنُ السكنِ المتهم ، وإلا فقد سقط الإسنادُ بسببهِ من أصلهِ ! وقد قال النووي في " المجموعِ " بعد أن عزاهُ للطبراني: " وإسنادهُ ضعيفٌ . وقال ابنُ الصلاحِ: " ليس إسنادهُ بالقائمِ " .

وكذلك ضعفهُ الحافظُ العراقي في " تخريجِ الإحياءِ " (4/420) ، وقال ابنُ القيمِ في " الزادِ " (1/206): " لا يصحُ رفعهُ " .

واعلم أنه ليس للحديثِ ما يشهدُ له ، وكل ما ذكرهُ البعضُ إنما هو أثرٌ موقوفٌ على بعضِ التابعين الشاميين لا يصلحُ شاهداً للمرفوعِ بل هو يُعِلُّهُ ، وينزلُ به من الرفعِ إلى الوقفِ ... وجملةُ القولِ أن الحديثَ منكرٌ عندي إن لم يكن موضوعاً ... " .ا.هـ.

فهذا هو حالُ الحديثِ من كلامِ العلامةِ الألباني رحمهُ اللهُ .

وتكميلاً للتخريجِ فقد قال الشيخُ عمرو عبد المنعم سليم في " صونِ الشرعِ الحنيفِ ببيانِ الموضوعِ والضعيفِ " (2/232 – 235 رقم 373): " موضوع: أخرجهُ الطبراني في الكبيرِ (8/298): حدثنا أبو عقيل أنسُ بنُ سلمٍ الخولاني ، حدثنا محمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ العلاءِ الحمصي ، حدثنا إسماعيلُ بنُ عياشٍ ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ القرشي ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ ، عن سعيدِ بنِ عبدِ اللهِ الأودي ، قال: " شهدتُ أبا أمامةَ في النزعِ فقال: " إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فقال: " .... فذكرهُ .

وزاد في آخرهِ: فقال رجلٌ: " يا رسولَ اللهِ ، فإن لم يُعرف أمهُ ؟ " ، قال: " فينسبهُ إلى حواء ، يا فلانَ بنَ حواء " .

قال الهيثمي في " المجمعِ " (3/45): " في إسنادهِ جماعةٌ لم أعرفهم " .

وأما تلميذهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ ، فقد أبعد في الحكمِ إذ يقولُ في " التلخيصِ " (2/135 – 136): " إسنادهُ صالحٌ ، وقد قواهُ الضياءُ في أحكامهِ " .

فإن هذا السند واهٍ جداً ، بل هو موضوعٌ ، وكذا لوائحُ الوضعِ ظاهرةٌ على المتنِ ، باديةٌ عليهِ .

والحملُ في هذا الإسنادِ على محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ العلاءِ الحمصي الشامي ، فقد كذبهُ الدارقطني ، وقال ابنُ حبان: " يضعُ الحديثَ " ، وقال الحاكمُ والنقاشُ: " روى أحاديث موضوعةً " .

وشيخُ إسماعيلَ بنِ عياشٍ هذا لم أقف له على ترجمةٍ ، إلا أن روايةَ إسماعيل عن غيرِ الشاميين ضعيفةٌ ، وهذه منها ، وأما سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الأودي – كذا عند الطبراني ، وفي " التلخيصِ " ، و" الجرحِ والتعديلِ " الأزدي – ذكرهُ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابهِ وبيض له ، والأقرب عندي أنه مجهولُ العينِ ، قد تفرد بالروايةِ عنه يحيى بنُ أبي كثيرٍ ، ولم أجد عنه راوياً عنه غيرهُ .

وكذلك فشيخُ الطبراني مستورٌ ، لم يتعرض له أحدٌ بجرحٍ ولا تعديلٍ ، وقد ترجمهُ ابنُ عساكرٍ في " تاريخِ دمشق " ، وأورده الذهبي في " تاريخِ الإسلامِ " .

ووجدتُ له طريقاً آخر عند الخلعي في " الفوائد " ...

ونقل الشيخُ عمرو عبد المنعمِ كلامَ الشيخِ الألباني في " الضعيفةِ " في عتبةَ بنِ السكنِ ، ثم قال: " قلتُ – عمرو عبد المنعم -: هذا كافٍ للحكم على حديثهِ بالوضعِ ، لا سيما مع شدةِ نكارةِ المتنِ ، بل والسندِ ، فإن الحديثَ لا يُعرفُ إلا من طريقِ إسماعيلَ بنِ عياشٍ ، وقد رواهُ عنهُ ذلك الوضاعُ ، ولا يُستبعدُ أن يكونَ أحدُ الرواةِ قد سرقهُ ، فأنشأ له هذا السند ، ودلس اسم راويهِ عن أبي أمامةَ ، فقال: جابرُ بنُ سعيدٍ الأزدي ، وهذا متاحٌ .

ثم وجدتُ الشيخَ – رحمهُ اللهُ – قد حكم على الحديثِ بالنكارةِ ، مع ما في سند الخلعي ، ولم يتنبه إلى العلةِ الحقيقيةِ في سند الطبراني ، ألا وهي محمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ العلاءِ .

وله متابعةٌ معضلةٌ عند سعيدِ بنِ منصورٍ – كما في " التلخيصِ " – من طريقِ راشدِ بنِ سعدٍ ، وضمرةَ بنِ حبيبٍ وغيرهما ، قالوا: " إذا سوي على الميتِ قبرهُ ، وانصرف الناسُ عنه ، كانوا يستحبون أن يقال للميتِ عند قبرهِ: " يا فلانُ قل: لا إله إلا الله ، قل: أشهدُ أن لا إله إلا الله ، ثلاث مراتٍ ، قل: ربي اللهُ ، وديني الإسلامُ ، ونبيي محمد ، ثم ينصرف " .

قلتُ: وهذا ظاهرُ الإعضالِ ، بل هو لم يرفعهُ لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نسبهُ إلى أحدٍ من الصحابةِ " .ا.هـ.

وقال الصنعاني في " سبلِ السلامِ " (2/772) عند شرحهِ لحديثِ: " ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدِ التَّابِعِينَ - قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إذَا سُوِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْرُهُ ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْهُ . أَنْ يُقَالَ عِنْدَ قَبْرِهِ: يَا فُلَانُ ، قُلْ: لا إلَهَ إلا اللَّهُ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، يَا فُلَانُ: قُلْ رَبِّي اللَّهُ ، وَدِينِي الْإِسْلَامُ ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا .

وَقَالَ فِي الْمَنَارِ المنيف: إنَّ حَدِيثَ التَّلْقِينِ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ فِي وَضْعِهِ ، وَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ فَالْمَسْأَلَةُ حِمْصِيَّةٌ ا.هـ.

وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ كما نقل عنه ابنُ علان في " الفتوحات الربانية " (4/196): " هذا حديثٌ غريبٌ ، وسندُ الحديثِ من الطريقين ضعيفٌ جداً " .ا.هـ.

وقد حكى السيوطي في " الحاوي " اتفاقَ المحدثين على تضعيف الحديثِ فقال: " فلأن التلقينَ لم يثبت فيه حديثٌ صحيحٌ ولا حسنٌ بل حديثهُ ضعيفٌ باتفاقِ المحدثين " .ا.هـ
.