1-Click Setup for WordPress, Drupal & Joomla!
 
رؤية النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ الانضمام
    15/01/2010
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    1

    افتراضي العقل - الكتابة - المجتمع - تشابكات فلسفية







    1



    يتأسسُ العقلُ البشري باعتباره فضاءً كونياً ينفسحُ على امتداد لانهائي ومادة إشعاعية تتوهجُ عبرها مستوياتٌ لامرئية على قيمتينِ أساسيتينِ : القيمة الأولى تتمثلُ في كونه أداة حفرٍ لها قابلية عميقة على الاختراق والاقتحام ، فالعقلُ الطافحُ بشهوة التقدم وشغف المُغامرة يأخذُ منحىً سماوياً بممارسته لمهنة الخلق إخماداً لنداء باطني مِلحاحٍ بضرورة الارتقاء ، إذ هو بطبيعته المتوحشة الضارية يتعالَى على بشريته الموروثة لاستدامة صيرورة المُجاوزة من مستوىً معينٍ يتماهَى معه الوجُود نحو انخطافٍ ثوري جديد ، ولذلك فإن أية فلسفة تجيءُ بما يُشاقق العقلَ وتؤسسُ معه خطاباً مُناكفاً ومُناقضاً في مُحاولة لإجهاضِ الحفريات الناهشة في طبقات الحياة من شأنِ ذلك الإفضاء إلى انقلابٍ عقلي يُنذرُ برجَّةٍ كونيةٍ عميقة ، فالعقلُ يأبى الانزلاقَ في غيبوبة السبات والنكوصَ المأساوي نحو الوراء وهو لا يُطيق احتمالَ الأمكنة المُغلقة الضائقة ، إذ لم يُخلقْ إلا ليكُون حراً ولم تتأسس أبجدياتُ خطابه إلا ليلفظَ كلمته مهما كانتْ نارية حارقة ، وما من انحباسٍ مُخزٍ لفائضِ العقلِ إلا ويجيءُ متبوعاً بثورة مُضادة تُحيلُ الأشكالَ المقدسة إلى معزوفة رمادية للرثاء ، لأن المُغالاة في اقتراف النقيضِ من شأنها أن تُولِّد المُغالاة في اقتراف النقيضِ الآخرِ هكذا تقولُ الحكمة ، إذ الأضداد تتناسلُ وترتكبُ رقصتها الأخيرة دائماً .

    ولذلك كانتْ الفلسفة المُخلصة هي التي تهدهدُ العقلَ في صمتٍ وارتقاء مهذب لينزاحَ نحو خطابٍ وسطي يجعلُ الأضداد الموجبة في ضفة والأضدادَ السالبة في ضفة مُقابلة وبينهما تشتعلُ أرجوحةُ الميزانِ وعلى ذلك يتأسس القسطاسُ في استقامة ملائكية ، كنوعٍ من الترويضِ لامتصاصِ النزوع الجامحِ إلى إحدى الضفتينِ ، فالعقلُ إذن باعتباره أداة حافرة يجنحُ دائماً نحو الانفساخ المتجدد من الذات لاستيلاد ذواتٍ جديدة كانفساخِ الأنا من الأنا وإثمار أنَواتٍ جديدة ، وذلك لأجلِ تثوير الحياة والاقترابِ من نقطة الارتكازِ الوجودي والتبشير بنظام إنساني يتجاوزُ ذاته ، واقتدارُ العقلِ البشري على ممارسة الحفرِ في طبقات الحياة لأجل التقاط فتات الحقيقة والتوليف بين شتاتها وصناعة ثقافة جديدة تُعاصرُ الزمنَ في سيرورته الأليمة ، ولأجلِ البحث في ظواهرية الوجود المبثوثة والمخبوءة في تضاعيف وتشابكات هذه الحياة واقتناصِ الألغاز الهاربة ، من شأنِ ذلك توليد قيمة أساسية أخرى تقطعُ مع الثبوت اليقيني بما يستبطنه هذا المُصطلح من انغلاق واحتباسٍ وانطفاء وتُكرِّسُ لاستضاءة لذيذة تُنعشُ جانبَ التحديثَ التكويني بما يُضمره هذا المُصطلحُ من تشكيك وسؤالٍ وتثوير ، إذ التحول والارتقاء والانزياح الحركي عبر مستويات الارتكازِ المعرفي ضرورة وجودية لتأكيد المعاصرة الزمنية واجتثاث تراكمات التاريخ باعتبارها مغامرة بشرية مشروطة وممارسة فعلِ الحُضور باعتصار اللحظة والاشتباك الجسدي معها ، إذ اللحظة هي الحياة وهي بمثابة الحرث المقدس الذي تنحشرُ فيه العقولُ الخائضة .

    وليستْ الكتابة في حد ذاتها إلا ممارسة عقلية تخضعُ لاشتراطاتٍ جدليةٍ لتوليد خطاب مدموغٍ بطابعٍ معينٍ ومحكوم بالظرفية التاريخية ، إذ لا تجيءُ الكتابة إلهية منزوعة عن رائحة الترابِ بل تجيءُ مكنوزة بحمولاتٍ فلسفية ومُثقلة بدلالات وإشارات يتنامَى في أحشائها العُمق البشريُّ ومصبوغة بلونِ الحياة وتتساوقُ بدهياً مع الإيحاء التراكمي التي تحتفلُ به شرارة الذات ، ولذلك فالكتابة كمغامرة ذاتية معجونة بحرارة الدم وشتات الروح تُحيلُ إلى المرآة كصورة فردوسية لالتقاط الشكل الهندسي للذات كموضوع مادي لمشرحة النقد ، وعلى ذلك يجيءُ الخطابُ باعتباره الخازن الحقيقي لفعلِ الكتابة مندمجاً على إيحاءات عنيفة تشتبك في بحيرة دموية ، ولذلك كانتْ الكتابة التي يركض فيها العقلُ بلحمه ودمه هي التي يكون لها حضوراً فاعلاً باعتبارها دحرجة مأساوية للحقيقة التي تمارسُ الغيابَ والهروب ومحاولة لاقتناصها في أي فضاء دلالي ، ومفردات الخطابِ كتشكيلة لغوية وجمالية تجيءُ كعلامات رمزية تومئ إلى موضوعات حياتية مختلفة ، ولذلك كانتْ القراءة النقدية للمتلقي بمثابة تجذير روحي وحفر عقلي لأبعاد نفسية وتاريخية تدخلُ في تشابكات الذات ، وهي لا تغلو إلا في فضاء بشري محكوم باشتراطات الذات تمهيداً لحدوث انخطاف ذاتي تتجاذبُ فيه انشداداتٌ روحية صاخبة تؤسس للخروج الحاد نحو مواقعة الاغترابِ .

    وانبناءً على هذا التأصيلِ تتوضَّحُ العلاقة المتشابكة بين الكتابة كفعلٍ إنساني إرادي وبين العقلِ كسلطة باعثة ومولدة بما يحتشي به كل منهما من إيحاءات متكاثفة ومستويات متراكبة في احتكاك حدي مثمر على تخوم الذات لاستيلاد المقولِ أو الخطابِ ، فالكتابة إذن تجيءُ كتصريف حيوي لاحتباسِ الوعي وثقب لفضاء الروح للغيبوبة في متنفس مُعشبٍ باخضرار المطر درءاً لاختناق جهنمي تزحفُ نحوه الروح الواثبة ، وهذا الامتلاء التي تُرهصُ به الكتابة باعتبارها روحاً تُخوِّض قدميها في أحشاء الجسد هو مستودع باطني خصبٌ لتناسل الإشعاعات التي تقتحم فضاء الذات ، إذ الإنسان باعتباره كائن مقذوف في وجود مسقوف بانغلاق مُحكم لا ينفتح على المطلق إلا من خلالِ كونه لاقطاً يُدرك ولاصقاً يحتك فهو لاقط ضوئي يختزن الإيحاءات المنشورة في تضاعيف الحياة ويحاول التوليف بينها لاستخلاصِ ضرورات المعرفة واشتراطات وجودها ، وهو لاصق طيني تعلقُ به الذكريات والتجارب وتنطبع لتعملَ على تفخيخ فضائه الذاتي بألغام السؤال الحارق والانهمام بممارسة طقوسِ الشهادة والغيابِ ، ولذلك فالكاتبُ نقطة تمركز وتمظهر لهذه التشابكات مؤتلفة كانتْ أو مختلفة .


    2


    لا تجيءُ الكتابة إلا دالةً على مدلولٍ مُضمرٍ خفي هو فضاء الذات بمُختلف مستوياته وأبعاده ، ولذلك فالكاتبُ عندما يُمارس فعلَ الكتابة لإنشاء الخطابِ إنما يحرِثُ أعماقه المُعتمة ويبثُّ فيها سطوةَ الضوء لتوليد الدلالات واصطياد الخبءَ قارئاً لتفاصيلِ الحياة المُجتمعية في وطنه الذي تأسس عليه وجُوده الفعلي ودائراً حولَ نقطة ارتكاز مُحيطه وممزوجاً بفضائه وتاريخه ، إذ ثمة من يُحاولُ أن يؤسس خطاباً يتناولُ فيه تشابكات الوطنِ وتعقيدات ظروفه مُنطلقاً من بنىً عقلية تأسستْ على نُظُم فكرية لم تكن نتاجَ الأرضِ ولا تتساوقُ مع فضائه الدلالي ، فيجيءُ الخطابُ ناشزاً يتسامقُ في مستوىً فوقي لا يحملُ إمكانية الالتحام الروحي مع قوة الشعبِ ، ويجيءُ نافراً لا يحملُ شهوة الجذبِ العقلي ومُثقلا بقطيعة حادة مع الإرث الحضاري والتكوينِ التاريخي ، ويجيءُ مُجهضاً بإيحاء جمعي يتعاطَى معه باعتباره مُنجز عسكري مُضاد لحرية الشعبِ واشتراطات وجوده أو مُنجز عقلي يُراوغ لاستلابِ إمكانية التفعيلِ الحقيقي لاقتدارِ الإرادة ، ولذلك فشلتْ كثيرٌ من النظُم السياسية والفكرية التي كانتْ نتاجَ مُجتمعات مشروطة بظروفها التاريخية أن تجد لها مُناخاً مُلائماً في مُجتمعات لم تخضعْ لذات شروط انبثاقها وتأسيسها .

    إذ الاختلاف التاريخي والفكري وحده يكفي للنزوع نحو الرفضِ وتكديسِ اللاءات ، وما لجوء ذهنية النظام الشمولي نحو زرع لغته وتكوينه السياسي وأدوات مُعاصرته وآليات استجابته للحداثة وطبيعة تماهيه مع الحياة وفرضِ الهيمنة والسيطرة على الشعوبِ المُجاورة إلا دلالة على نسق استبدادي يؤسس لسلطة الطاغية بما يستبطنه هذا المُصطلح من استلابٍ واحترابٍ وتعميم لعقلٍ أحادي وإرادة مُطفأة لا تقبل التعدد وممارسة سياسة التهميشِ والإقصاء ، ولذلك وانبناءً على كون هذا الوطنِ يعد امتداداً للفضاء العربي المترامي من الماء إلى الماء ، هذا الفضاء المأزوم حضارياً والذي يخوضُ في الوقت الراهنِ صيرورة تحولات لتأسيسِ الثورة وتحديث الوجود ، فإنه ليس بمُستغربٍ استنباتُ مثل هؤلاء الكتبة لخطابات ناشزة نافرة مُجهضة أفرزتها نُظُم شمولية إن لم تكن مضادة فهي مُغايرة لطبيعة إرثنا الحضاري واشتراطنا الوجودي ، خطابات تؤسس لنكوصٍ مُجتمعي حاد وتكريسٍ مُضاد ونزوع مُمنهج نحو التراث كردة فعلٍ انتحارية في التخلصِ من التزامات المُعاصرة والاختباء وراء الذات وتقمصٍ مأساوي لأزمنةٍ عابرة باعتبارها خلاصاً قيامياً .

    وبين خطابِ النشوز وخطابِ الإرث يمارسُ الشعبُ طقوس غيبوبته الأليمة ويُوغلُ في الأفولِ ، إذ ليسَ من خطابٍ حداثي يتوسط بين الضفتينِ وينحت مجراه كنهرٍ أزلي ، ولذلك كان التبشير بخطابٍ حداثي نهضوي فتحاً معرفياً يُرهص بإمكانية انبثاق ثورة مُجتمعية ، خطابٍ تنويري يؤسس لقيم جديدة تُحيلُ إلى إرثنا الحضاري باعتباره ثروة بشرية ليستْ مقدسة أو فوقية فنغلو في الاحتكام المُطلق إليها وينتحرُ العقل البشري على عتباتها ، وليستْ في المقابلِ هامشاً ضئيلا أو نصاً هارباً فنغلو في انتهاشها وانتقاصها ، إنما نضعها في سياقها الطبيعي بحيثُ هي نتاجُ ممارسة عقلية ومغامرة تاريخية محكومة بظروف واشتراطات لا تتجاوزُ كونها مُحاولة بما يستبطنه هذا المُصطلح من عدم الاكتمالِ وضرورة الارتقاء المتجدد والمستمر ، إذ الانزياح الزماني يكفي للحكم بتاريخية الفكرة واستدعاؤها يستوجبُ تحديثها لتندمج على شرط المُعاصرة ، خطابٍ لا يقطعُ مع إرثنا الحضاري ولا يرفعه لمستوى التقديسِ بحيثُ يتعالى عن حرث العقلِ ومشرحة النقد ، وفي الوقت ذاته خطابٍ يُدرك تحولات الراهنِ ويخُوض صراع الوجود ويتماهَى مع مقتصيات الحياة في تشابكاتها وتعقيداتها ويؤسس لقيم ثورية جديدة تضمن يقظة الشعبِ وديمومة الارتقاء .


    بقلم : عبدالملك المعولي



  2. #2
    تاريخ الانضمام
    31/01/2009
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    1,737
    مشاركات المدونة
    12

    افتراضي

    للرفع إلى حين ٍلآتي معقِّباً لهكذا نصٌّ فلسفيٌّ رائع

  3. #3
    تاريخ الانضمام
    22/12/2010
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    134

    افتراضي

    نص فلسفي رائع وجدير بالقراءة

    سوف أعود لاحقا للتعليق

مواضيع مشابهه

  1. (*ضرس العقل*) وما أدراك ما ضرس العقل!!
    بواسطة مزمار الأمل في القسم: قسم الاستفسارات الطبية
    الردود: 5
    آخر مشاركة: 05/02/2011, 08:54 PM
  2. قصة فلسفية مميزة في علم النساء
    بواسطة شموع الداخلية في القسم: السبلة العامة
    الردود: 11
    آخر مشاركة: 26/01/2011, 08:08 PM
  3. لماذا يمرر الإيمان على العقل ولا يمرر العقل على الإيمان!
    بواسطة فارسة الكلمة في القسم: سبلة الفكر والحوار الثقافي
    الردود: 1
    آخر مشاركة: 23/01/2011, 02:12 PM
  4. [ أخرى ] الكتابة على الصور
    بواسطة فكري محمود محمد في القسم: سبلة الدعم الفني والإستفسارات التقنية
    الردود: 1
    آخر مشاركة: 19/01/2011, 11:31 PM
  5. للاستفسار لمشاكل العقم(نتعامل مع مستشفي الاردن)به افضل مركز لعلاج العقم بالشرق الاوسط
    بواسطة مركز علاج للتنسيق الطبي في القسم: قسم الاستفسارات الطبية
    الردود: 11
    آخر مشاركة: 03/01/2011, 12:38 AM

قواعد المشاركة

  • ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
  • ليس بإمكانك إضافة ردود
  • ليس بإمكانك رفع مرفقات
  • ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك
  •