بحث عن عقد العمل في فترة الاختبار
المطلب الأول
ماهية عقد العمل تحت الاختبار
أولاً - تعريفه :
عقد العمل تحت الاختبار هو عقد عمل يكون فيه للمتعاقدين أو لأحدهما بعد فترة من التجربة أو الاختبار أن يقرر ما إذا كان من مصلحته أن يمضي في التعاقد أو أن يعدل عنه .
ويلجأ المتعاقدان إلى جعل عقدهما تحت التجربة أو الاختبار إذا أراد أحدهما أو كلاهما أن يتثبت من أن إبرام العقد سيكون في صالحه ، كما لو أراد صاحب العمل أن يتأكد من مهارة العامل وخبرته ومن أمانته في أداء العمل المطلوب ، أو أراد العامل أن يتأكد من ملاءمة ظروف العمل له ومن تناسب الأجر مع الجهد الذي يتطلبه هذا العمل .
وفي هذا قضت المحكمة العليا العُمانية بأن " الغاية من الاتفاق على فترة الاختبار هي أن يكون صاحب العمل على بينة من قدرات العامل ، وأن يلم هذا الأخير بظروف العمل ويقدر ملاءمتها له ، ويحق لكل من العامل وصاحب العمل إنهاء العقد خلال مدة الاختبار " .
فعقد العمل تحت الاختبار هو عقد عمل بالمعنى الصحيح ، ولكنه غير بات . ولذلك فهو يخضع للأحكام التي يخضع لها عقد العمل بصفة عامة مع مراعاة بعض الأحكام الخاصة التي يقتضيها شرط الاختبار والمتعلقة بمدة الاختبار وكيفية انتهاء العقد تحت الاختبار .
ويختلف عقد العمل تحت الاختبار عن عقد التدريب ، فالغرض من عقد التدريب هو تعلم المهنة أو الحرفة ، ويفترض فيه أن العامل تنقصه الدراية والخبرة بالعمل ، فيقصد من العقد التعلم . أما في عقد العمل تحت الاختبار فإن العامل لا يقصد تعلم أصول المهنة أو الصناعة ، بل يدعي أنه صالح للقيام بالعمل المطلوب منه ، ويريد صاحب العمل أن يتحقق من مدى كفايته أو يريد العامل نفسه الإحاطة بظروف العمل ليتبين مدى تناسب الأجر مع الجهد اللازم لأدائه . وقد يصف المتعاقدان العقد بأنه عقد تدريب ويكون قصدهما في الحقيقة إبرام عقد عمل تحت الاختبار ، فهنا يجب على القاضي عدم التقيد بالتسمية الخاطئة ، وعليه إعطاء العقد وصفه الحقيقي بحسب ظروف التعاقد وشروطه وقصد المتعاقدين .
ثانياً – التكييف القانوني لعقد العمل تحت الإختبار :
ثار خلاف حول طبيعة عقد العمل تحت الاختبار فظهرت عدة آراء حول هذا الموضوع .
ففي رأي قيل أنه عقد أولي أو مؤقت يسبق العقد النهائي الذي يتم بعد نجاح الاختبار . ومعنى ذلك أنه إذا نجحت التجربة أو الاختبار يصار إلى إبرام عقد نهائي ، هو عقد العمل . وإذا فشلت التجربة أو الاختبار يفسخ العقد وينتهي دون إبرام عقد جديد .
ويؤخذ على هذا الرأي أنه يفترض وجود عقدين متميزين هما العقد الأولي والعقد النهائي ، مع أن الواقع يثبت وجود عقد واحد يبدأ بفترة اختبار ، فإذا انقضت هذه الفترة بنجاح ، أصبح العقد نهائياً واستمر قائماً بين طرفيه بجميع أحكامه . وتبعاً لذلك تحتسب مدة خدمة العامل منذ البداية أي منذ انعقاد علاقة العمل بينهما وقيام العامل بمباشرة العمل المتفق عليه ، والتزام صاحب العمل بدفع الأجر المقابل لهذا العمل .
وفي رأي ثان أن عقد العمل تحت الاختبار هو عقد واحد ولكنه معلق على شرط التعليق أو الشرط الواقف ، وهو الرضا عن نتيجة التجربة أو الاختبار . فإذا نجحت التجربة أو الاختبار يكون الشرط قد تحقق ويصير العقد نهائياً . ويجد أصحاب هذا الرأي في عقد البيع بشرط التجربة سنداً يدعمون به رأيهم . ولكنهم يغفلون عما بين العقدين من اختلاف في طبيعة كل منهما ، فالبيع عقد فوري ، أما عقد العمل تحت التجربة أو الاختبار فهو من العقود المستمرة أو من عقود المدة . لذلك إن جاز التعليق بالنسبة للبيع ، فهو غير جائز بالنسبة لعقد العمل تحت الاختبار لأنه يحول دون المباشرة بتنفيذ العقد قبل تحقق الشرط ، ويفضي بالتالي إلى عدم حصول الاختبار التي تتطلب قيام كل من العامل وصاحب العمل بما التزم به لكي يتمكن كل منهما من تقدير صلاحية الآخر .
ولذلك ظهر رأي ثالث يقول بأن عقد العمل تحت الاختبار هو عقد عمل معلق على شرط الإلغاء أو على شرط فاسخ ، وهو عدم الرضا عن نتيجة الاختبار أي عدم نجاح الاختبار . فإذا فشل في الاختبار واستعمل أحد الطرفين حقه في فسخ العقد في خلال مدة الاختبار ، تحقق شرط الإلغاء ، وانتهى العقد من تاريخ الفسخ .
أما إذا انقضت مدة الاختبار دون أن يستعمل أي من الطرفين حقه في فسخ العقد ، فإن شرط الإلغاء يكون قد تخلف ، فيتأكد العقد ، ويستمر بين طرفيه كعقد نهائي بات غير محدد المدة .
وقد أخذت المحكمة العليا العُمانية بالرأي الأخير عندما قررت بأن "عقد العمل شرط الاختبار هو عقد عمل بالمعنى الصحيح ويخضع لكافة أحكام عقد العمل إلا أنه معلق على شرط فاسخ هو عدم الرضا على التجربة باستعمال الحق في الإنهاء ، ويتفق هذا التكييف مع قصد المتعاقدين لأن كل ما يميز العقد في تلك الحالة هو مكنة إنهائه في أي وقت من المدة المحددة" .
ونحن نؤيد هذا الرأي الذي أخذت به المحكمة العليا لأنه يتفق مع نية الفريقين الذين قصدا منذ البداية إبرام عقد عمل يكون لكل منهما أو لأحدهما الحق في فسخه خلال مدة معينة – هي مدة الاختبار – إذا لم يرض عن النتيجة .