عذرا ... نحن شعب قلما يشتري ويستهلك المعلبات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم وطن غال
نعم ... من هم في جيلي والأجيال التي سبقت جيلي قلما نشتري المعلبات ونستهلكها إلا في الضرورات ، فالعماني بلهجنه البريئة يقول "وحدي ما أعقه فبطني ذا الشي ... ما أعرفه موه مالطمش مسوايبه" ... بفطرته وسجيته يدرك أن للمعلبات أضرارها الجانبية أيا كانت سلامة صنعها وحفظها ونقلها وتخزينها
جاءنا الربيع العربي على غفلة ، وأتانا بأطنان من المعلبات ، ليست المساعدات الإنسانية - المشبوهة أحيانا باطبع – بل معلبات أخطر وأشد شبهة ... إنها علب الأحكام والتصنيفات المسبقة الصنع ... دكتاتورية – قمع – ظلم – ثوار – حقوقيون – نشطاء – تغيير – إصلاح – مؤامرات – خيانة – إرتباط بالأجنبي – محرض – أصولي – سلفي –
لا يهمني هنا الحصر ولا الترتيب ، وليست الألفاظ بالجديدة فهي من قواميسنا ولكنها ظلت رهن تلك القواميس حتى جاء من استعارها ولحنها ودندنها ... فبدأنا نتراقص على أنغامها ن بوعي خبيث أحيانا وبلا وعي في أحايين أخرى.
وحتى لا نذهب بعيدا ... يتردد بين صفحات منتدياتنا وبعض وسائل إعلامنا (النزيهة منها وعلى إستحياء) جدال حاد أحيانا وهادئ أحيانا أخرى حول موقف بعض الأخوة المتحمسين لمساندة إخوانهم المعتصمين في كل حالة مرت علينا من حالات الاعتصام. ومحور الجدال يتخلص ، قبل أي شي ، حول من هم !!؟ ... هل هم نشطاء حقوقيون متضامنين مع إخوانهم ؟ ... أم هم محرضين إنتهازيين يؤججون ويرفعو سقف المطالب إلى مستويات تعجيزية بغيى خلق أزمة ؟
أخواتي وإخواني ... دعونا نتساءل بهدوء ...
أول سؤال نطرحه هو ... عمن نتحدث نحن هنا ؟ ... هل عن المعتصمين في كل حالة من حالات الإعتصام ؟ ... أم عن المتضامنين معهم ؟
جوابا على الشطر الأول من السؤال .... بالطبع لا نستطيع إنكار أحقية وشرعية من إعتصموا ... حيث كانت هناك مطالب محددة ، في إطار قطاعات مهنية مختلفة ، وتتضمن حقوقا يطالب فيها هؤلاء ، وهناك جهات رسمية وغير رسمية معنية بهذه المطالب ... هذا الجانب لا غبار عليه.
أما المتضامنين (وهم المعنيين بالشطر الثاني من السؤال) ... فهم من أثاروا هذا الجدال والخلاف حول من هم وماذا يريدون ... وقبل أن نقفز إلى الحكم عليهم ونعتهم سواء بالمحرضين أو بالناشطين الحقوقيين المتضامنين مع كل الاهتصامات ، علينا أولا أن نتساءل ... من هم !!!؟
والتساؤل حول منهم غير معني بأسمائهم ، فأسمائهم معروفة (أنا شخصيا أعرف واحد أو إثنين من الأسماء) ... إنما أنا هنا أحلل وأشخص حالة بشكل موضوعي قدر ما أستطيع ... فلو كنت على رأس هيئة أو لجنة لإدارة الأزمات (أتمنى أن نتفق على أن الإعتصامات وتكرارها هي بوادر أزمة) ، لبدأت بالتساؤلات التالية :
- ما هو الرابط الموضوعي الحقيقي بين المعتصمين والمتضامنين معهم ، غير المواطنة ؟ ... هل هناك صلات قربى أو صداقات تربط البعض من هنا بالبعض من هناك ؟ وبالتالي هل أخذت المسألة منحى تضامن ذوي القربى والزمالة ؟
- هل كان هناك تواصل قبل الإعتصام بين المعتصمين والمتضامنين معهم ؟ أم أن المتضامنين أتوا بعد تنفيذ الاعتصام ؟
- ما هو القاسم المشترك بين المتضامنين (النشطاء الحقوقيين عند البعض والمحرضين عند البعض الآخر) ؟ هل تجمعهم خلفية مهنية واحدة أو مهن متقاربة ؟ ... هل يجمعهم رابط أيديولوجي وثقافي واحد ؟ ... هل يجمعهم رابط جغرافي واحد مثلا ؟ ... لنستمر في البحث عن أكبر عدد من القواسم المشتركة التي تجمع هؤلاء المتضامنين مع كل إعتصام لا يخصهم مهنيا.
- ما هو المستوى الثقافي والخبرة العملية للأخوة المعتصمون ؟ ... نحن نتفق على أنه لا يشترط مستوى ثقافي معرفي وخبرات محددة لكل من يطالب بحقه ... لكن لا بد من وجود إشتراطات ضمنية لمن يتبنى مطالبات عامة ، لأنه يتحدث بإسم شعب بأكمله ... فهل يمتلك الأخوة رصيدا كافيا من المعرفة والدراية والخبرة الميدانية في مجال النشاط الإجتماعية الذي بدوره يؤلهم لقيادة مطالبات عامة والتضامن مع كل حالة إعتصام ؟
- لطالما أننا متفقون بأن المعتصمين دعاة حق مشروع مرتبط بمهنم ومستقبلهم ، وما شاكلها من حقوق ، فما موقف المتضامنين من تلك المطالب ؟ طبعا الجواب البديهي هو أنهم يدفعون باتجاه تحقيقها ... السؤال الذي يليه ، أين وقف الأخوة المتضامنين مع الاعتصامات في كل حالة ؟ ... هل وقفوا في المنتصف بحيث يسهلون من عملية تنفيذ المطالب ، أم وقفوا في صف المعتصمين ورفع وتيرة وسقف المطالب ؟ ، ولماذا ؟ ... إن كان للمعتصمين مطالب محددة لا تتعدى مهنهم ، فما الداعي لرفع تلك المطالب لتصل إلى مطالب مخبفة تتعدى حدود عقول المعتصمين أنفسهم ؟
- لطالما أن معظم الاعتصامات تتلخص في مطالب مهنية لا يدرك تفاصيلها سوى المعتصمين والجهات المطالبة بتنفيذ المطالب ، فهل من المتضامنين من يملك الدراية والخبرة الكافية التي يمكن أن تضيف شيئا إلى قائمة الحلول ؟ ... وهل من باب الصدف أن تجد المتضامنين (النشطاء الحقوقيون) هم ذاتهم يقفون وراء كل إعتصام بغض النظر على إطلاعهم الكافي ودرايتهم بكنه هذه المطالب والجوانب الفنية والإدارة والقانونية المرتبطة بها ؟
- هل يدرك الأخوة المتضامنون حجم الضرر الذي قد يوقعونه بإخوتهم المعتصمين من حيث رفع سقف المطالب ، وتغيير مسار الإعتصامات ؟ ... طبعا أنا هنا لا أقصد التعمد في إيقاع الضرر بالمعتصمين ولكن دونما وعي أو إدراك بتبعات رفع سقف المطالب ... فرفع سقف اية مطالب له أسس ومعايير ، أولها عدم إلحاق الضرر بالمطالب الأساسية ... على سبيل المثال ... اليوم أستغيث بمسؤول من أجل التدخل لحل مشكلتي ، وغدا أنهال عليه سبا وإنتقادا لاذعا وأطالب بإقالته ... المطلب والسلوك الثاني لا شك أنه يلحق الضرر بالمطلب الأول.
من خلال المشاركة في الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من قبلنا نحن العمانيين جميعا معتصمون ومتضامنون وناشطون ومؤيدون ومعارضون (أو ايا كانت الصفات التي نلبسها أنفسنا) ومن أعلى هرم المسؤولية إلى أدناه ... نستطيع أن نصل إلى جزء من الحقيقة يكفي للسماح لأنفسنا بأن ننبري ونطلق الصفات والنعوت ونعرف فئة المتضامنين في كل حالة ... أما التهم المعلبة الجاهزة سواء من هذا الطرف أو ذاك رسميا كان أو شعبيا فقد آن الأوان لتجاوزه ..
عذرا نحن شعب قلما يشتري ويستهلك المعلبات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل هذه اعراض تنبئ عن خلل في عمل منظومة مايسمى بدولة القانون والمؤسسات وما لم يتم اطلاق مراجعات شاملة وصريحة قوامها "الشراكة والثقة "تشخص مواضع اعتلال هذا الكيان فانه من المرجح ان تظهر اعراض اخطر واعمق قد تنال من مفاصل هذا الكيان...
ان تغول السلطة واحتكارها للراي وادارة البلاد بالتصورات الأمنية التي تنئى عن الشراكة والشفافية هو اخطر عوامل تدهور الكيانات وانحدارها لدركات الفشل الذريع....
-----
هدية لكاتب الموضوع :عيار:
كتاب جين شارب :من الدكتاتورية الى الديموقراطية