امرؤ القيس ، حبيبي يا امرؤ القيس.
يلومني البعض لأني أفكر كثيرا في السياسة ، هذا اللوم ليس صدفة أو حادث عابر ، هذا هو الدوام ، الحدث الدائم الذي لا ينتهي : " لماذا تضيعين أنوثتك بالأفكار وبالتفكير ؟!!!"
تنصحني صديقة غالية وعلى شفتيها ابتسامة لئيمة : " ستخسرين أنوثتك ان ازددت معرفة أكثر من كذا "!!! ،
الأنثى في قاموس الصديقات : شئ خلق للجمال ، وللجمال أسرار ، ليس أحد هذه الأسرارا : التفكير ، ليس أحدها طبعا البحث ليل نهار شغفا في موضوع ما ، هن يؤمن بعمق ، أن ليس هناك تجد الأنثى ذاتها ، الأنثى خلقت للانسجام ، للحب ، للعطر ، ولأجمل الأشياء .
تشدني صديقة أخرى من يدي :" وش مالك ومال الأخوان ، يا بنتي فكري في المتعة وفي الشعر وفي الفنون ، هناك تجدين نفسك "....ثم تشير لي بيدها الخفيفة : " هيا لنشتري فساتين جديدة ".
في العمل أتلقى ذات اللوم ، الزميلات لديهن فلسفة عميقة حول جوهر الأنثى : الأنثى كائن ناعم ، متمايز برقته ، كائن يهيم في "حرمة" وجوده الخاص في الخدر ، الأنثى هي النشوة التي يجب أن تبقى محلها ، صامتة وعنيفة وغير متوهجة ، هادئة هدوء الصمت ، بليغة بلاغة الغياب.
وحين أبدأ في تصديقهن قليلا وأتلذذ بخداع نفسي ، أفتح قلبي قليلا ، فيضج هناك زمن يتفتح فيه صوت عذب من الأعماق ، صوت يأتي مع نشوات الليل المدفونة في القلب والذاكرة ، فأقتنع بأن السياسة وجع في القلب ، وأقول بصفاء نية :
"امرؤ القيس ، حبيبي يا امرؤ القيس ..هل نتحدث اذا عن امرؤ القيس ".
فتقول امرأة بالجوار وهي ترفع حاجبا : "قيس الماجن الخليع الذي لا سامحه الله "
أحتار : " طيب لنتحدث في السياسة اذا ، الأخوان "...فتقاطعني امرأة أخرى : " تبا ، السياسة مجددا "
ثم تبدأ في تلاوة سيرة الأنثى كما تجب :
المرأة يا ابنتي ، صوت ناعم حذر ، كيفما تحرك ، وجب أن يهدأ....لا أن يعبر عن وجوده .المرأة يا ابنتي ، لا شغل لها بالسياسة والأخوان وامرؤ القيس الماجن ، المرأة هي ما يريد لها وليها ، هو يعرف صالحها افضل من أيا كان ، وهي خلقت لتحيا في كسل ناعم بهيج مثمر.
أقاطعها كما لو أني لم أسمع خطبتها ، سارحة في معلقة امرؤ القيس أسألها : " هل تعرفين لما علقت قصيدة امرؤ القيس على الكعبة "
تقول : " لاااااااا ،ولا أهتم ، رجل لم يحترم النساء هو "
أتنحنح قليلا ، وأقول : "هو يحب النساء صدقيني..جدا جدا..." ثم أضحك.
تسألني هي : " وهل الحب هو الاحترام"؟
أجيبها : " الحب هو الاحترام ،
هو أن ترى في الآخر كفؤا وندا ..طبعا طبعا"
لا يعجبها كلامي ، ولا يريحها مدحي لامرؤ القيس ولا شغفي بجنونه و ولعه ، وهي لا تريدني أن أتحدث في السياسة ولا في الأخوان ، ثم بعد جهد جهيد في التلطف بي تقول " " طيب ، ماذا تحبين في امرؤ القيس ...اخبريني ".
أرد بسرعة سهم منطلق : " أحب حيويته ...صدقه الدافق المجنون ، لغته الجزلة التي تصير شلالا منبعثا كنجم يتفكك في الفضاء بهيا وخلاقا ".
توقف اندفاعي فتقول : " المرء يحشر مع من أحب يا شابة " ، ثم تبتسم بلؤم...
أسمعها ولكن كأني لا أسمعها ، و في تلك الثانية تحضرني الحكمة المستغانمية :
" ليس هناك أنصاف خطايا ، ولا أنصاف ملذات ، لذلك لا يوجد مكان ثالث بين الجنة والنار ، فعلينا تفاديا للحسابات الخاطئة ، أن ندخل أحدها بجدارة ".
تنظر الي المرأة مجددا ، تحدقني بنظرة حنونة ، تهمس لي في حنان : اسمعي يا ابنتي ، هذه أمور لا يجب أن تفكري فيها ، صدقيني ، أنت تهدرين حياتك في فراغ "
أنظر اليها وأشعر بالندم :
"طيب ...آسفة لأني أحب امرؤ القيس"
أصمت قليلا ، وقلبي لا يزال يردد في صمته : " امرؤ القيس ، حبيبي يا امرؤ القيس".