سماحة الشيخ: على الحاج بعد عودته يجب أن يقلب صفحة حياته من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح،،
تكرار الحج وماذا بعده؟
مفتي عام السلطنة : الحج رحلة روحية قبل أن يكون جسمية والحج هو ارتباط بالقيم وبالفكر وارتباط بالتاريخ
على الحاج بعد عودته يجب أن يقلب صفحة حياته من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح
الحاج مطالب بأن يكون ركناً ركيناً لمجتمعه وأمته الإسلامية الكبرى على تباعد ديارها بحيث يحمل هموم الأمة حيث مكانه وحيث ما كان هو..
السرحني : على المسلم أن يحرص كل الحرص بعد عودته أن تبقى صفحته بيضاء نقية مُعمرة بالطاعات
الحج مؤتمر إسلامي عالمي سنوي حيث يتم اللقاء والتعارف بين المسلمين من شتى بقاع الأرض
أجرى اللقاءات أحمد بن سعيد الجرداني:
الحج رحلة روحية قبل ان يكون جسمية والحج هو ارتباط بالقيم وبالفكر وارتباط بالتاريخ لأن الحاج عندما يقف في تلك المناسك المعظمة وبالتاريخ الإيماني الطويل فهو يرتبط بابراهيم وإسماعيل عليهم السلام ويرددان في قلولها ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)
وحول ماذا بعد الحج كان لنا هذه التطوافة وهذه المواعظ والنصائح مع سماحة الشيخ العلامة احمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة ومع بعض أهل العلم وطلبته ....
روحية قبل أن يكون جسمية
في البداية يقول سماحة الشيخ : الحج رحلة روحية قبل ان يكون جسمية والحج هو ارتباط بالقيم وبالفكر وارتباط بالتاريخ لأن الحاج عندما يقف في تلك المناسك المعظمة وبالتاريخ الإيماني الطويل فهو يرتبط بإبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ويرددان في قولهما ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) . فهما كان ينظران إلى الامد البعيد الذي يبعث الله سبحانه وتعالى فيهم رسول من هذه الذرية المباركة ويتحقق على هذا الرسول الخير العظيم .
وكما يرتبط بهذا الحاج ايضا بتاريخ هذه الدعوة ، وتاريخ انبلاج صبحها في تلك العراص الطاهرة عندما دعا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الحق غير معتمد على شئ وهو يلقى التحديات المنوعة .
والحج أيضاً يرتبط بتاريخ التضحيات التي قدمها المهاجرون والأنصار (الذين اتبعوهم بإحسان ) ولذلك كان من الضرورة بمكان أن يستفيد من هذا كله ان يرجع الحاج من ذالكم المكان وهو نسخة من هذا الذي استفاده ويحّول مجرى حياته من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح ومن الفجور إلى البر ومن التشتت إلى الاجتماع ليكون ركناً ركيناً في مجتمعه يسعى إلى رص صفه وحمايته من كل ما عسى أن يتعرض له من شر. وهو مطالب بأن يكون ركناً ركيناً لمجتمعه وأمته الإسلامية الكبرى على تباعد ديارها بحيث يحمل هموم الامة حيث مكانه وحيث ما كان هو ؛ عملا بحديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ترى المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ...) وعلى الحاج بعد عودته يجب أن يقلب صفحة حياته من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح والله المستعان .
منافع الحج
اما الشيخ الدكتور يوسف السرحني فيقول : إن للحج منافع جليلة، وفوائد عظيمة، وحكم جليلة، ومقاصد سامية يطول الحديث عنها، ويمكن إجمالها في قسمين:
أولاً: المنافع الدينية: وهي المقصد الأساسي لمشروعية الحج ويتمثل هذا المقصد في تقوية صلة العبد بخالقه سبحانه وتعالى وذلك بغرس التقوى في القلب يقول الله تعالى: ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ) ويقول: ( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) ، ويقول: ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ، ويتمثل أيضاً في محو الذنوب وتكفير الخطايا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وجاء في الحديث القدسي إن الله تعالى يقول للملائكة يوم عرفة: " انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم ".
أيضاً تذكير الأمة الإسلامية بذكريات عزيزة، وربطها بمواقف إيمانية خالدة منها ذكريات أبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجه السيدة الطهارة الحرة هاجر، وذكريات النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة.
ثانياً: المنافع الدنيوية: وهذه المنافع تتمثل في كون الحج مؤتمراً إسلامياً عالمياً سنوياً حيث يتم اللقاء والتعارف بين المسلمين من شتى بقاع الأرض على اختلاف بلدانهم، ولغاتهم، وأجناسهم، وألوانهم، وهناك تتجلى المساواة بينهم على أكمل وجه، وأبهى صورة حيث يقف الجميع على قدم المساواة، لا فرق بين أحد وآخر، هناك تذوب الفوارق بينهم، وتتلاشى الحواجز، وتتساقط العوارض والمناصب. ويعد الحج موسماً لرواج التجارة وازدهارها، وتوفير فرص العمل والكسب، وكذلك الانتفاع بلحوم الهدي والأضاحي، يقول الله تعالى: ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم)، ويقول سبحانه: ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير).
ظاهرة تكرار الحج
وكما تطرق الشيخ الدكتور يوسف السرحني إلى ظاهرة تكرار الحج قائلاً
الحج فريضة تجب في العمر مرة واحدة وما زاد فهو تطوع، والإسلام وإن كان يحث على تكرار الحج، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " وفي رواية: " أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد "، ولكن هذا التكرار مشروط بأن لا يكون على حساب الواجبات الدينية والاجتماعية الأخرى، فإن كان كذلك يكون من فعله كما قال بعض العلماء السابقين: " من حج نافلة كان كمن بنى قصراً وهدم مصراً "، وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن أكثر من 80% من الحجاج سنوياً ممن سبق لهم الحج من قبل، فبعضهم تجاوز العشرين حجة، وهناك أسباب تدفع المسلم لتكرار الحج منها الاعتقاد أن ذلك أكثر طاعة وتقرباً إلى الله تعالى من غيرها من الواجبات وأعمال البر الأخرى، وهذا سوء فهم لفقه الأولويات، وسبب آخر يتمثل في كثرة المال فبدلاً من أن يذهب الغني نزهة ومتعة واستجماماً سنوياً إلى مكان ما يجعل ذهابه سنوياً إلى الحج والعمرة. صحيح أن هذا أفضل، ولكن لا يصح اعتبار ذلك نوعاً من التنزه والمتعة، أو مجرد باب لإنفاق المال عليه، فالحج بهذا المفهوم يكون عادة لا عبادة. وهناك من يتخذ الحج مهنة يتكسب منها سنوياً همه أن يؤديها بأقل كلفة مالية، فلا يراعي الوصول إلى العراص الطاهرة مبكراً، ولا يراعي نوع الوسيلة ولا السكن ولا الغذاء، ولا الهدي، ويتعجل في العودة كل ذلك لأجل أن يوفر له مبلغاً أكبر من المال.
مفاضلة بين كون الحج نافلة والواجبات الاجتماعية والأعمال التطوعية
ذكرت سابقاً أن الإسلام يحث على تكرار الحج والعمرة على أن لا يكون ذلك على حساب الواجبات الدينية والاجتماعية الأخرى، والمصالح العامة، بل ينبغي الموازنة ما بين الأعمال، فالعمل الذي يترتب على تركه شيء من الضياع، أو إلغاء مصلحة عامة لا يصح التفريط فيه من أجل عمل آخر نافلة، والعلماء قالوا: لا تترك الفريضة الحاضرة من أجل الفريضة الفائتة، فكيف يترك ما هو واجب من أجل ما هو نافلة، فهناك من أبواب الخير والبر ما لو أنفق فيها المسلم لنال ثواب الحج وقد يزيد والأعمال الخيرية كثيرة وهي تختلف من حيث الأهمية، والآثار المترتبة عليها، سواء أكانت آثاراً معنوية أو آثاراً مادية، آثاراً تعود للفرد أو المجتمع، على أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، فمثلاً إغاثة الملهوفين، ومساعدة المنكوبين، وعون المضطرين، فالضرورة في هذه الحالة داعية إلى مواساة هؤلاء أكثر مما هي داعية إلى نافلة الحج، مع عدم الاستخفاف بثواب الحج، وأقول: إذا استطاع الإنسان أن يجمع بين الحج نافلة، والواجبات الدينية والاجتماعية الأخرى، والأعمال التطوعية فذلك أفضل؛ لأنه جمع بين الأخيرين، فبناء المساجد، والمستشفيات، والمؤسسات التعليمية، وسد حاجة الفقراء، وبناء دور إيواء للمحرومين من الأطفال وكبار السن، وشق الطرق، وإقامة مراكز للدعوة الإسلامية، وعلاج الفقراء، وتعليم أبنائهم، كل ذلك في ضوء فقه الأولويات أولى من تكرار الحج، كما أنه صدقة جارية لا ينقطع نفعها عن صاحبها حياً وميتاً.
وحول انعكاس آثار الحج المقبول في نفس الحاج يقول الدكتور السرحني:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه "، ويقول صلى الله عليه وسلم: " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". المسلم بذهابه إلى الحج يفتح صفحة جديدة مشرقة من عمره حيث تاب إلى الله تعالى وتطهر من جميع الذنوب والآثام، فعليه أن يحرص كل الحرص بعد عودته إلى أسرته ومجتمعه أن تبقى هذا الصفحة بيضاء نقية وأن يعمرها بالطاعات، ويسطرها بالأعمال الصالحات طيلة عمره حتى يلقى الله وهو راض عنه، عليه أن يكون باراً بوالديه، وراعياً لأسرته مشفقاً عليها، ومحافظاً على صلاته في الجماعة، ومخلصاً في عمله، يكون متحلياً بالأخلاق الكريمة والفضائل الحميدة، من صدق وأمانة ووفاء وكرم، ومترفعاً عن الرذائل وسفاسف الأمور، عليه أن يصل الأرحام، والجيران، وأن يساعد الفقراء المحتاجين، وأن يشارك أبناء مجتمعه في أفراحهم وأتراحهم، ويكون عوناً لهم كل ذلك في ضوء تعاليم الإسلام، وأن يبادر للإسهام في كل عمل خير ونشاط نافع، وليس معنى هذا أن يكون الحاج معصوماً، أو أنه لا يقترف معصية، ولا يقع في خطأ، أبداً فكل ابن خطأ وخير الخاطئين التوابون. فعلى الحاج وغيره إذا ما وقع في خطأ عليه أن يبادر إلى الاستغفار والتوبة النصوح مباشرة.