سئل سماحة الشيخ/أحمد بن حمد الخليلي (المفتي العام لسلطنة عُمان) عن رأيه في التَّصْعِيد الذي وَصَلَ إليه تعبِير المسلمِين عن استِنْكَارهم الرسومَ المُسِيئةَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مِن حَرقٍ للسفارات، أو التَّهديد باستهداف الرَّعَايَا .. الأمر الذي جعل سَبيلا للطَّعْن في الإسلام مِن خِلال هذه السُّلُوكِيَّات.
فأجاب -حفظه الله تعالى- بقوله:
مِن المَعلوم أَنَّ قَدَرَ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في نُفوس المؤمنين قَدَرٌ عظيم، وشأنُه شأن جَلَل؛ لأنَّه -صلّى الله عليه وسلّم- هو مِفْتَاح بَابِ رحْمَة الله -تعالى- للعالَمين، مِن حيث إنَّ الله -سبحانه- هَدَى عباده على يديه، إذ أرسلَه رحْمة للعالَمين، كما نَصَّ على ذلك القرآن الكريم. وفي هذا ما يَدُلُّ على عِظَم قَدْرِه، ويدلّ على عِظم النّعمة التِي جاءت مِن الله -سبحانه وتعالى- مُتمَثِّلَة في رسالته.
فَلَمَّا كان الأمر كذلك فلابُدَّ مِن أن يَغَارَ المؤمنون عليه -صلّى الله عليه وسلّم- غَيْرَة تَفُوق كلّ غَيْرة بعد غَيْرَتِهِم على الله سبحانه وتعالى، ولابد مِن أن تَحْمَى نفوسهم لِمِثل هذه التصرُّفات الرَّعْنَاء التي لا تدلّ إلا على الحماقة والسَّفَه وانْحطاط الفكر وعدم تقدير الأمور وعدم النظر في أَبْعَادها.
ولا يُتعجَّب مِن رَدَّة الفعل أكثر مِمَّا يُتعجَّب مِن الفعل نفسه، فإنَّ المُسلم لابد مِن أن يَغَار على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ولكن مع ذلك يَجب على المسلم أن يكون حَرِيصا على أن تكون خُطُواته خُطُوات مَوْزُونَة مَدْرُوسَة، وأن لا يتَصَرَّف تَصَرُّفًا يَخرج عن الانضباط.
فهذا التصرُّف -فيما أرى- لا يعود بالمَنْفَعَة على الأمَّة أو على القضية التي تدافع عنها الأمَّة .. إنَّما هو تصرُّفٌ طَائِش نَاجِم عن هَيَجَان العواطف.
ومَحبَّة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مَحبَّة ليست كَمَحَبَّة غيره .. ليست هي مُجَرَّد ثَورَة في النَّفْس، أو مُجرَّد عاطفة جَيَّاشَة لا تكاد تَثُور حتى تَغُور، وإنَّما مَحبَّتُه -صلّى الله عليه وسلّم- عقيدة راسِخَة في نفس المؤمن.
فالمُؤمن يَتَصَرَّف تِجَاه كلّ أمر تَصرُّفاً معقولا مضبوطا مُحدَّدا منظورا فيه إلى جَميع الجوانب.
فَنَحن مع كوْنِنَا تأثَّرْنَا كثيرا بِهذا الأمر الجلَل الذي حدث، وما أصاب هذه الأُمَّة في صَمِيم عقيدتِها مِن تَصرُّف هؤلاء وسُخْرِيَّتِهم بِمَقام النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكنَّنا مع ذلك نَحن نَحْرِص على أن تكون الخطوات خطوات مَوْزُونَة ومَدْرُوسَة، وأن تكون بَنَّاءَة، وأن لا تُسبِّبَ أيَّ رَدَّة فعل -أيضا- تكون عَكسية.
فَالأمّة المسلمة يَجب أن تتصَرَّف بعقل، وأن تتحكَّم في عواطفها، وأن تَغَارَ على النبي -صلى الله عليه وسلم- غَيْرَة تَنْبَعِث مِن صَمِيمِ قلوبِها، ولكن مَعَ ذلك هذه الغَيْرَة يَجب أن تتجسَّد في تصرُّفٍ مُحكمٍ مضبوطٍ بضوابط العقل والشَّرع معا.
المصدر: برنامج سؤال أهل الذكر» مِن القناة الفضائية الأولى لسلطنة عُمان، حلقة ليلة 14 محرّم 1427هـ (يوافقه 12 / 2 / 2006).
www.facebook.com/Shiekh.ahmed.Alkhalili