Ahmed A Alsubhi
الكاردينال الأحمر
بواسطة
بتاريخ 03/10/2018 في 08:12 AM (578 الزيارات)
أنقل من_إيلاف_هذه اللقطات الممتعة والمشاهد التصويرية إلى الزملاء في تخصص الدبلوماسية ..
أنه الكاردينال الأحمر
لماذا أطلقوا عليه هذا اللقب؟!.. أكان ذلك لأنه يرتدي دائماً عباءة الكرادلة الحمراء؟!.. أم لأن يديه - كما يزعم أعداؤه - اصطبغت باللون الأحمر لكثرة ما خاضت في دماء الناس؟!..
ذلك هو (ريشيليو) وزير ملك فرنسا في النصف الأول من القرن السابع عشر.. القرن الغامض، الحافل بالمتناقضات..nbsp;
ما أكثر ما قيل عنه.. ولكن التاريخ المنصف يقول عن الكاردينال الأحمر:
quot; لقد كان ريشيليو عنيفاً.. أجل.. قاسياً في أحوال كثيرة.. أجل.. دموياً أيضاً في أحوال قليلة.. أجل، غير أنه بهذا استطاع أن يوحّد فرنسا حول ملك واحد.. وأن يجمع شتات الأمراء المتنازعين، ويوحّد قواهم حول العرش ولخدمة التاج!!quot;
nbsp;
ويذكر لـه التاريخ - أيضاً - أنه أنقذ مليكه من مؤامرة محبوكة الأطراف كانت كفيلة لو تمت أن تودي بالأسرة المالكة على حكم فرنسا.
لنتصور أحداث الحكاية عندما نعود إلى القرن السابع عشر وإلى عام 1638 على وجه التحديد، لنرى الكاردينال ريشيلو في غرفته بالقصر وبالقرب منه أمين سره وهو يملي عليه بعض المذكرات، الليل في منتصفه، ولم يبق ساهراً غير الكاردينال المثابر وحرس القصر، وفجأةً يدخل عليه الملك، فيهبّ مرحباً:
ـ مولاي.. أهلاً بك، لم أتوقع تشريفك في هذا الوقت من هزيع الليل!!.
ـ اصرف من حولك من موظفين وحرّاس، فإني أريد أن أخلو بك لأمرٍ خاص..
ـ أجل يا صاحب الجلالة..
(ويأمر الجميع بالانصراف..) nbsp;
ـ معذرة يا صاحب الجلالة إذا كنت لا أستطيع الوقوف بين يدي جلالتكم لأني مريض كما تعلم ولا أستطيع مفارقة المقعد..
ـ ومع ذلك فالناس يقولون أنك في كل مكان يا كاردينال ريشيليو..!!
ـ من أجل خدمة مولاي..!!
ـ وأحياناً من أجل خدمة نفسك!!
ـ كأن صاحب الجلالة الملك، يضمر شيئاً في نفسه.. ليت أن جلالتك توضح لي أكثر بالذي تعنيه..
ـ أنت تعرف ما أعني..!!
ـ ليس في ذهني شيئاً محدداً مما تقصده جلالتكم..
ـ الحق أنني لا أدري كيف أصوغ أفكاري بمثل الوضوح الذي تميزت أنت به يا كاردينال.. حسناً سأحاول أن أوضح لك بقدر استطاعتي ما يدور برأسي..
ـ إني أنتظر ما تأمر به يا صاحب الجلالة..
ـ أنت رجل عظيم يا صديقي.. لا أحد يشك في هذا، ولست أذكر في تاريخ فرنسا وزيراً استطاع أن يسدي إليها من الخدمات بعض ما أسديت.. ولكن.. ولكن كان ذلك كله يا عزيزي الكاردينال على حسابي أنا شخصياً..!!
ـ (في دهشة).. يا صاحب الجلالة، أقسم لك حقاً إنني لا أكاد أفهم ما ترمي إليه..؟!.. كيف يكون مجد فرنسا على حسابك؟!.. إنه لحسابك يا مولاي.. لحساب التاج..!!
ـ لكن أصدقائي هم الذين دفعوا الثمن!!.. إنك يا كاردينال لم تبق لي على صديق واحد!!.. ما أن تدرك أنني اصطفيت أحداً من الأمراء أو النبلاء، حتى أخذت تتابعه بالاتهامات إلى أن تقضي عليه!!
ـ لم يكن ذلك يحدث بدون محاكمة قانونية تُثبت فيها الخيانة..
ـ الخيانة؟!.... لمن؟!.. لي..أو لك..؟!
ـ للتاج يا صاحب الجلالة، لفرنسا.. لشعبها..
ـ أتحب أن أعدد لك ضحاياك من أصدقائي وأقرب الناس إلي؟!
ـ ملفاتهم في هذه الغرفة يا مولاي، ما أن تذكر اسم واحد منهم حتى أعيد إلى ذاكرتك كل ما ارتكب من آثام وشرور في حق التاج!!
ـ (بعد تفكير).. لعلك على حق!!.. ولكن التهم في بعض الحالات لم تكن تتناسب مع الأحكام.. لقد سال دم كثير يا كاردينال!!
ـ وأصبح التاج فوق رأسك أكثر ثباتاً يا مولاي!!
ـ (بغضب).. ألا ترى أنك تغالي فيما تقول:.. حسناً.. منذ الساعة سأعفيك، وسأحكم البلاد بنفسي!!
ـ طالما رجوتك أن تفعل يا مولاي.. وليتك تفعل هذه المرة.. فإني مريض وفي حاجة إلى الراحة..
ـ حتى وإن كنت مريضاً، فإني أعرف قدر حبك للسلطة وللسيطرة والهيمنة، فإذا أردت الاحتفاظ بمنصبك، فدع الماركيز سان مار، ولا تمسّه بشرّ..
ـ سان مار يا صاحب الجلالة يتآمر عليك!!
ـ أنت تكذب، أو اثبت ما تقول!!
ـ لقد أقلتني ياصاحب الجلالة ولم يعد من حقي إثبات أي اتهام لأعدائك.. ثم ألم تقل منذ لحظة أنك سوف تحكم فرنسا بنفسك؟!
ـ أتهددني أيها الكاردينال؟!
ـ كلا يا صاحب الجلالة.. ولكنني مريض ومن حقي أن أستريح.. ورغم كل شيء فستجدني رهن إشارتك إذا احتاج الأمر إلى رأيي.. وإذا سمحت لي أن أستدعي الكونت جالمار سكرتيري ليعرض على جلالتكم منذ اللحظة كل أمور الدولة العاجلة..
nbsp;
bull; وينزوي الكاردينال الأحمر في غرفة نومه ويترك سكرتيره يعرض على الملك الأمور العاجلة..
وبعد أن أطال السكرتير بشرح عدد القضايا المطروحة.. صرخ الملك منزعجاً:
ـ مالي أنا وللأمور العاجلة، اعرضوها على الوزراء.. كلٌ فيما يخصه..
ـ أجل يا صاحب الجلالة.. ولكن.. ولكن...
ـ ولكن ماذا يا كونت جاليمار؟!
ـ يا صاحب الجلالة، ما أعرضه على جلالتكم هي أمور على أقصى درجة من السرية، وليس من مصلحة الدولة أن تتناولها أيد كثيرة..
ـ حسناً.. حسناً.. اعرضها على الكاردينال..
ـ الكاردينال؟!.. ولكنك يا صاحب لجلالة...nbsp;
(ويسكُت)..
ـ (في حدّة).. إنني لم أقله من الوزارة.. ما دام يتقاضى مرتبه، فعليه أن يعمل به!!
ـ سأخبر نيافته بهذا يا صاحب الجلالة!!
ـ كلا.. أنا الذي سأخبره بذلك.. الآن في الحال.. اذهب إلى غرفته، وأخطره بزيارتي..
bull; ويذهب الملك إلى غرفة الكاردينال الذي يبادره بالقول:
ـ يا صاحب الجلالة، سأنظر في الأمور العاجلة حتى تجد من يحلّ مكاني..
ـ (محاولاً إرضاءه).. لا أحد يستطيع أن يملأ مكانك يا صديقي الكاردينال، احتفظ بكل صلاحياتك، بل أطلب ما تشاء من صلاحيات أخرى بشرط!!
ـ ما هو؟!
ـ ألا تأمر بإلقاء القبض على الماركيز سان مار..
ـ بل أنت يا مولاي من سيوقع على أمر إلقاء القبض على سان مار..
ـ بحق السماء.. لم تكرهه إلى هذا الحد؟!
ـ لأنه يتآمر على عرشك يا مولاي..
ـ لقد اتهمت أخي جاستون بهذا، وأمرت بنفيه من البلاد، وابن عمي الدوق مونمورانس، وأعدمته.. والآن تريد أن تقبض على الصديق الوحيد الذي اخترته لنفسي!!
ـ أتمنى يا صاحب الجلالة أن تعطيني الفرصة لأبصرك بخيانة صديقك المزعوم والذي رفعته إلى مرتبة النبلاء، فيتطلع أول ما يتطلع إلى أميرة من الأسرة الملكية..
ـ أهذا كل ما تأخذه عليه؟!
ـ أو تدري يا مولاي لماذا وقع اختياره على الأميرة ماري دى جونزاج؟!
ـ لأنه يحبها!!
ـ كلا.. بل هو يريد أن يكتسب عن طريق الزواج بابنة أختك الحق في أن يكون ترتيبه الثالث في وراثة العرش.. ألا يشير هذا إلى نية أخرى مبيتة؟!
ـ نية مبيتة؟!.. ماذا تعني؟!
ـ القيام بانقلاب تسانده دولة أجنبية للوثوب إلى عرشك..
ـ (ضاحكاً).. سان مار يفعل هذا؟!.. إنك يا كاردينال رغم علمك ببواطن الأمور، لا تدري شيئاً من أمور النبلاء!!..
اعلم يا عزيزي الكاردينال أن سان مار يحب ماري دى جونزاج حقاً وصدقاً، ولولا أنها ردته لما عارضت في الزواج..
ـ حمداً لله أنها ردته، ولم يضطرني ذلك إلى معارضة رغبتكم..
ـ انتهى هذا الأمر على أي حال.. فما الذي تأخذه على سان مار بعد ذلك؟!
ـ مؤامرة عليك يعدها، ولدي بعض الأدلة على ذلك.. وأفضل أن أقبض عليه قبل أن يطمس معالمها..
ـ (في حدة وغضب).. وهذا ما لن أمكّنك منه.. لقد تجاوزت حدك يا كاردينال، ولذا فقد أمرت بفصلك ونفيك، وغداً يصدر قراري الملكي بذلك!!
nbsp;
bull; ويتردد لويس الثالث عشر في إصدار القرار.. ويحاول مرةً أخرى أن يجرّب مهارته في معالجة شؤون الدولة، ولا يرى ضيراً في أن يطلب العون من سكرتير الكاردينال الكونت جاليمار الذي يقف أمام الملك يومياً حاملاً العديد من الملفات والأوراق..
ـ التقرير الوارد إلينا من البرتغال يا صاحب الجلالة، يدل على أن أميرها يمد يده إلى كاتالونيا ويؤيدها في ثورتها..
ـ ماذا عن ملك إسبانيا؟!
ـ كالعادة.. ضد الثورة..
ـ إذاً لنساعد نحن الثورة.. أرسل إلى كاتالونيا، وقل لزعماء ثورتها أنني أضع يدي في يدهم.. قل لي يا جاليمار، ماذا كان الكاردينال ريشليو يفعل أمام موقف كهذا؟!
ـ من حق جلالتكم اتباع ما تراه في هذا الشأن، لكن موقف نيافة الكاردينال سيكون مختلفاً عما أشرت عليّ به..
ـ حسناً دعني أفكر في الأمر.. انتظر قراري بعد أسبوع..
ـ أسبوع يا مولاي؟!.. الموقف لا يحتمل التأخير حتى ليوم واحد..
ـ ولكنني أريد أن أفكر!!.. أريد أن تكون الرؤية أمامي واضحة..
ـ كما تشاء يا مولاي.. وماذا سنفعل بالمشكلة الإنجليزية.. nbsp;
ـ ماذا بشأن إنجلترا هي الأخرى، هل سأحل كل المشاكل بجلسة واحدة..
ـ إنها مشاكل عاجلة يا صاحب الجلالة.. كان الكاردينال يبت في العشرات منها في أقل من ساعة..
ـ اللعنة على الكاردينال.. ماذا بشأن إنجلترا؟!
ـ الملك شارل الأول في موقف عسكري دقيق أمام كرومويل، وقد أرسل يطلب من فرنسا أن تتدخل لنصرته..
ـ أطلب إلى القائد العام للجيوش الفرنسية بتلبية رغبة الملك شارل في الحال.. ودون تأخير..
ـ يا صاحب الجلالة.. لقد جاءتنا من الملك شارل نداءات كثيرة كهذه، وهاك واحد منها، كتب عليه الكاردينال بخط يده تعليقاً قد يلقي الضوء على المشكلة..
ـ أرني ما كتبه الكاردينال عليه اللعنة.. (يقرأ): quot; يحسن عدم الاندفاع في تأييد شارل الأول فهو في حربه ضد كرومويل يعتمد على الإسكوتلنديين، وما عندنا من أنباء سرية يدل على أنهم سيبيعونه لكرومويل بأرخص الأثمان.. وكرومويل سينتصر، ولا معنى أن تلقى جيوشنا هزيمة لا ضرورة لها على أرض إنجلترا..quot;
ـ إذن فهذا رأي الكاردينال..
ـ أجل يا صاحب الجلالة.. ولكن هذا لا يمنع أنه كان له رأي مناسب للموقف الحالي يختلف قليلاً عن رأيه الأول..
ـ وماذا؟!
ـ الحق إنني لا أعرف يا صاحب الجلالة..
ـ حسناً.. لنؤجل هذا الموضوع أسبوعاً..
ـ كما تشاء يا مولاي، هناك الآن مشكلة أملاك البروتستانت في..
ـ (مقاطعاً).. كفى.. كفى.. لقد أغرقتني في بحرٍ من المشاكل.. أمور معقدة وكثيرة.. تريدون مني أن أحلّها الآن.. أين ذهب هذا اللعين الكاردينال ريشيليو؟!..
إنني لم أصدر قراري بفصله بعد.. وعليه مواصلة عمله..
nbsp;
bull; ويأتي الكاردينال محمولاً على محفته من فرط المرض، ويبادر الملك بقوله: أنا مريض يا مولاي.. ولا طاقة لي بالعمل..
ـ لا تجادل يا كاردينال، وابدأ عملك..
ـ إنني في طاعة مولاي، ولكن لي شرط..
ـ أعرفه.. أعرفه.. أن أوافقك في إلقاء القبض على سان مار!!
ـ بل تقوم بالتوقيع على أمر إلقاء القبض عليه!
ـ هات الأمر، وإليك التوقيع.. والآن بحق السماء اعفني من النظر في هذه الأمور المعقدة!!
nbsp;
يتبع .............................
المصدر إيلاف
http://elaph.mobi/opinion/774186.htm...10&per-page=10