1-Click Setup for WordPress, Drupal & Joomla!

رسالة غرام

فلسفة الحياة...

قيّم هذه المشاركة







يعيش قسم من البشر، من غير ممارسة للفكر، وقسم آخر منهم يفكر ولكن لا يعكس فكره على واقع الحياة قط. أما ما ينبغي، فهو أن يعيش الإنسان وهو يفكر، وأن يبتكر أنماطًا فكرية جديدة للعيش فيتفتح على آفاق مُركّبات فكرية مختلفة. والذين يعيشون من غير فكر، هُم دُمى تُمثّل فلسفة حياة للآخرين.

أما الذين يعيشون حياتهم مفكرين، ويجعلون -حسب درجاتهم- كل يوم أو كل ساعة من حياتهم، ميناءً أو مرسى أو طريقًا للأفكار المبتكرة، فهؤلاء يمضون أعمارهم في خوارق العيش ما فوق الزمان ومفاجآته وسحره، فيتجرعون الماضي كماء نبع مبارك، ويتنفسونه نفحةَ رائحةٍ في رئاتهم، ويطالعونه ككتاب، ويسيرون إلى المستقبل بهذه العُدة… ويحضنون الزمن الآتي بحرارة قلوبهم، ويلوّنونه بآمالهم، ويصوّرونه بعزمهم وإرادتهم… ويحتسبون الزمن الحاضر مركزًا إستراتيجيًّا لتنفيذ أفكارهم المثالية، ومصنعًا لإنتاج التقنيات الضرورية في هذا السبيل، وجسرًا للعبور من النظري إلى العملي… وَيَجدّون دومًا كي يكونوا فوق الزمان وفوق المكان.

فهُم من وجهة يطالعون الوجود والزمان في هذا المستوى، ومن وجهة أخرى ينسلخون من ضيق الحياة الجسمانية وينفسحون في رحاب عالم الفكر ويسيحون -وهم في هذه الحياة الفانية الموقوتة- على سفوح ممتدة إلى اللانهاية في عالم آخر ذي بُعْدٍ أبدي… يسيحون ويدفعون عربون اللانهاية بأفكارهم وأحاسيسهم وآمالهم، ويتعايشون مع مشاعر اللانهاية، ويتطلعون إلى ثراء الكينونة الإنسانية في أغوار الرحاب اللَّدُنّية التي حفروها في مغاوص قلوبهم، ويجدّون في اصطياد أنواع الفجاءات بالشِباك التي نشروها في قلوبهم مما لا تبصره الأعين ولا تستمع إليه الآذان ولا يتصوره خيال الإنسان. فترشدهم علومهم ومعارفهم ومكتسباتهم العالية فوق المستويات، إلى ما هو أعلى، بل أعلى المعالي، ويؤمّل كلّ منهم أن يكون عُقابًا سماويًّا. فهؤلاء الذين يحيون حياة كهذه، ويجعلون أعمارهم مزارع لأشجار الفكر، سَمُّوهم إن شئتم أهل الحكمة، أو أبطال الفلسفة ذوي الهدى، وعرِّفوهم كما تشاؤون، لكن اعلموا بأن رجال النور الذين يحيكون التاريخ برقةِ نسيج الحرير وظرافته، قد ظهروا دائمًا من بين هذه الأرواح العالية، على مر الزمان الممتد من العوالم القديمة إلى عصرنا الحاضر.


المجموعات
غير مصنف

تعقيبات